مرحباً بشهر رمضان

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مرحباً وأهلاً بشهر رمضان شهر التوبة والغفران، وشهر تنزل القرآن، وشهر العتق من النيران، وشهر تفتح فيه أبواب الجِنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وشهر يُغَلُّ فيه الشيطان.

مرحباً بك يا سيد الشهور، ويا شهر أهل الإيمان والإسلام، مرحباً بك يا شهر التراويح، ويا شهر تزكية النفس والروح، ويا شهر العبادة والإنابة، ويا شهر السعادة. مرحباً بك وأهلاً، فنعم المجيء جئتَ.

جئت يا شهر رمضان لنتفيأ ظلالك بطاعة الله تعالى بالصيام الذي هو أحب العبادات إلى الله تعالى؛ لما فيه من محاسبة النفس، وكبح جماحها عن الشهوات، وسرحانها في الغفلات، وانشغالها بما هو فانٍ عما هو باقٍ وآت.

جئت لتعيدنا إلى ما خلقنا لأجله من عبادة الله تعالى، وعمارة الأوقات بذكره سبحانه وشكره، وتعيدنا إلى الفطرة السليمة من صفاء النفس، وسلامة الصدر، وإخلاص القلب لله رب العالمين.

جئت لتطهرنا من أدناس الذنوب، وتغمرنا ببركات علام الغيوب، من فيوضاته الرحمانية، وتجلياته الإلهية، ورحماته بالبرية، وحمايته لهم من العداوة الشيطانية التي تُغَلُّ في هذا الشهر حتى لا تغوي المخلصين من الأمة الإسلامية.

جئت لتحيي قلوبنا بالقرآن، الذي تنزل في شهر رمضان؛ ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فنتلوه حق تلاوته، بتدبر آياته، والانتفاع بأوامره ومنهياته، فنكون به عاملين، وبزواجره متعظين، وببشائره راغبين.

جئت لتحمل لنا بشارة عظيمة من ربنا سبحانه من كرمه لعباده من أهل الإسلام، حيث أعطانا فيك ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، من وُفِّق فيها بالقيام فقد أدرك فضل الملك العلام، وما نالها أحد غيرنا؛ لأننا أمة سيد الأنام، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

جئت ومعك سلاسل الأغلال لشياطين الجن والإنس الذين يفتكون بنا في سائر الأيام والليالي، ليبعدونا عما أعده الله تعالى لنا من نعيم الآخرة، كما قد أقسم على ذلك متحدياً ربه، فيخيّب الله ظنه بما يعصم به عباده المتقين المخلصين، ومن ينوب في هذا الشهر الكريم، فإنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

جئت لتقول لنا: إن الله تعالى قد تفضل علينا بطول العمر حتى أدركنا موسم خيراته وتنزل بركاته، وفيض نفحاته، فنشكر ربنا على ما أولانا من نعمة الوجود في شهر العطاء والجود.

جئت بما لا يدركه وصف، ولا يُدرك كُنهه عقل، مما جعله الله تعالى فيك من الخير، كما قال ربنا في الحديث القدسي: «أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر».

ها أنت قد عدت إلينا كما تمنيناك كثيراً، فتحققت أمنياتنا بفضل الله وطَوْله، فما لك علينا من الحق؟

ولو شئتَ أن تقول: إن حقي عليكم كثير، ولكنه غير كبير؛ لحُق لك ذلك.

فإننا نعرف أن حقك أن نشكر الله تعالى على أن سلمنا لك وسلمك لنا، شُكر بالجَنان والأركان، وليس مجرد شكر اللسان، وشكر الله تعالى هو أن نصرف جميع ما أنعم الله تعالى به علينا إلى ما خلقنا لأجله، وهو معرفته بالإيمان، وعبادته حق عبادته، فلا نجعل الدنيا غايتنا، ولا أكبر همنا، ونحن نعلم أننا عنها منقلبون، وإلى ربنا راجعون، وفيما عنده من الفضل راغبون.

حقك علينا أن نفتح فيك صفحة جديدة في تعاملنا مع الرحيم الرحمن، ليغفر لنا ما كان من خطأ أو تقصير أو غفلة عما أراده منا، فها هو قد فَتح لنا أبواب التوبة، وغلق علينا أبواب الشر والفتنة، فلنشمر عن ساعد الجد في السير إلى الله بلا توان، فلعل الله تعالى أن يقبلنا فإنه جواد كريم.

فسلام عليك يا شهر رمضان.

جئت يا شهر رمضان لنتفيأ ظلالك بطاعة الله تعالى بالصيام الذي هو أحب العبادات إلى الله تعالى.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر