ماذا لو كان مديرك «روبوت»
لقد شهدت بداية الستينات الانطلاقة الحقيقية للروبوتات القابلة للبرمجة، وقد أخذت منذ ذلك الحين بالتطور السريع، إلى أن أصبحت اليوم تنفذ العديد من المهام البشرية بمنتهى البراعة والكفاءة، إضافة إلى قدرتها على التعلم واتخاذ القرارات التي تتزايد يوماً بعد يوم؛ فهل يا ترى سنراها يوماً في أعلى المناصب الإدارية تقوم بالتخطيط والإدارة وقيادة المؤسسات؟
الإجابة عن هذا السؤال هي ببساطة «نعم... لكن ليس في القريب»، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة القيادة ومستوى اتخاذ القرار؛ فعلى الرغم من وجود أمثلة عديدة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقوم ببعض الأدوار الإدارية، خصوصاً فيما يتعلق بالأمور اللوجستية ووحدات التصنيع وخطوط الإنتاج؛ إلا أن ما أقصده في الحقيقة هو الوصول إلى قمة الهرم الإداري، وما سيترتب على ذلك من تغيرات ستطال جوانب العمل المؤسسي بالشكل الذي لم يعهده أحد من قبل.
لذا سأحاول أن أسرد لكم بعض ما ستكون عليه سمات «الروبوت»، في حال نجح في تولي منصب المدير العام، فأولاً سيكون قادراً على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة أكبر بكثير من المدير البشري، ما سيمكنه من اتخاذ قرارات مستنيرة ومتسقة وأكثر فاعلية، بناءً على أحدث التحليلات وأدق المعلومات؛ ولأنه لا يتأثر بالتحيزات أو العواطف أو المعتقدات الشخصية، فإنه سيكون قادراً على اتخاذ قرارات عادلة وموضوعية تتميز بأعلى درجات الشفافية، ما سيُنهي مشكلة الفساد الوظيفي، ويزيد من ثقة الناس والموظفين بالمؤسسة.
وبالإضافة إلى ذلك هناك جانب آخر يتعلق بإدارة العمليات اليومية، فالمدير «الروبوت» لا ينام، ويعمل طوال اليوم، وفي كل يوم، وهو أكثر فعالية بكثير من حيث التكلفة، لأنه لا يتطلب رواتب ضخمة أو مزايا أو حفلات أو سفريات أو معاشات تقاعدية أو نفقات أخرى كنظرائه من البشريين؛ كما أن طبيعته الآلية ستقضي على أسراب المتملقين والمتزلفين ممن يحومون حول المديرين مهللين وخافضين أجنحتهم، وموافقين على كل شيء طمعاً بالمنفعة وتشويهاً للقرار السديد.
عموماً وحتى نكون موضوعيين، لابد من أن نعترف بأن فكرة المدير «الروبوت» لاتزال فكرة نظرية إلى حد كبير، ومازالت تنطوي على العديد من العيوب والسلبيات، فعلى الرغم من أن المدير «الروبوت» يمكنه أداء وظائف إدارية معينة، إلا أنه يفتقد القدرة على فهم احتياجات الموظفين والمتعاملين والتعاطف معهم، وقد يعجز عن اتخاذ قرارات تتطلب حكماً دقيقاً، خصوصاً من النواحي الإنسانية؛ وعلاوة على ذلك، فهو ليس قادراً على تطوير العلاقات الشخصية، وبناء الثقة الضرورية من أجل القيادة الفعالة، ناهيك عن افتقاده مهارات التواصل البشرية.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن المدير «الروبوت» ما هو إلا برنامج للذكاء الاصطناعي، قد يعجز عن التفكير الخلاق خارج الصندوق، ما سيحد من قدرته على الاستجابة للمواقف غير المتوقعة، وبما أنه يمثل انعكاساً للبرمجيات والبيانات التي تم تدريبه عليها، فإن أي خطأ فيها سيدفعه إلى اتخاذه قرارات خطأ، قد تسبب كوارث ونكسات ذات كلفة عالية على المؤسسات؛ وهو أيضاً آلة عرضة للأعطال، وتحتاج إلى صيانة وإصلاح منتظمين، الأمر الذي سيجعله غائباً عن صنع القرار في كثير من الأوقات.
وبالنتيجة يمكن القول إن المدير «الروبوت» مازال يحتاج لكي ينجح إلى مدير بشري يقوده ويوجهه، أما تعيينه في منصب المدير العام، فتلك مسألة مبكرة إلى حد ما، ولا أظنني سأتلقى التعليمات والتوجيهات أو التوبيخ والملامات من مديري «الروبوت» في أي وقت قريب، لكنني على يقين بأن ذلك اليوم آتٍ لا محالة.
مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.