جسور الخير

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ستظل دولة الإمارات العربية المتحدة سباقة لفعل الخير أينما وجدت سبيلاً لذلك، فهي متأهِّبة لتقديم العون للقريب والبعيد، ولكل ملهوف محتاج، لاسيما عند حدوث الكوارث المفزعة، فإنها تكون أول مغيث، وها هي اليوم لم تكتف بما قدمته عند حدوث الزلزال المدمر في تركيا وسورية، الشهر الماضي، حتى واصلت عطاءها أكثر فأكثر لأولئك الموتورين بديارهم وأقاربهم، فضلاً عن مكاسبهم ومعايشهم من مزارع ومصانع ومتاجر وغيرها، ومثل هؤلاء لا يسد حاجتهم فزعة الطعام والشراب والإيواء الآني، بل أن يُعانوا حتى تعود إليهم بسمة الحياة بما يحتاجونه في مستقبل حياتهم، وها هي القيادة الرشيدة تأمر بمواصلة العطاء والمساهمة لأولئك بما أطلق عليه «جسور الخير»، الذي فعَّلته القيادة الرشيدة بنفسها، فقد حضر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله، بنفسه مع حشد من عائلته، الكبار والصغار، ليغرس فيهم هذا المعنى السامي الذي تسير عليه القيادة والشعب في الإسهام بفعل الخير، فيسيروا على نهج دولة الإمارات.

وما أبلغ الكلمة التي سطرها عند هذه الزيارة الميمونة بقوله: «جسور الخير التي تمدها الإمارات مع الشعوب جسور دائمة، جسور ترسخ المحبة والتواصل والتعاضد، وترتقي بالأخوة إلى مستويات نبيلة»، فإنها عبارة عميقة، تدل على عظيم شعوره بالأخوة الإنسانية التي تُقدمها هذه الجسور، وهو شعور يدل على أن الأخوة الإنسانية هي فوق الشعوبية والجهوية والدينية، لدى هذا الشعب وقيادته الميمونة، هذه الأخوة يجب أن يستشعرها كل إنسان فيعيش مع أخيه الإنسان في الضراء كما يعيش معه في السراء، فالإنسانية متكاملة في هذه الحياة، كما قال الشاعر الحكيم:

الناس للناس من بدوٍ وحاضرة * بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ

وهو ما قرره الإسلام في محكم كتابه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، فإن مقتضى التعارف التعاون على جلب ما ينفع ودفع ما يضر، وهو المعنى الذي عبّر عنه أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه بقوله: الناس صنفان، إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، أي الإنسانية.

ودولة الإمارات وقيادتنا الرشيدة ترسخت فيها هذه المعاني الإنسانية منذ تأسيسها على يد القائد الإنساني زايد بن سلطان، رحمه الله، وإخوانه الحكام، رحمهم الله، فهي تغيث الملهوف، وتنصر المظلوم، أينما وجدت سبيلاً لذلك، وهي بهذا النهج الإنساني القويم تلهم الدول والأفراد مثل هذا النهج الرائد في العمل الإنساني، لذلك ما إن أعلنت اللجنة المنظمة لحملة «جسور الخير» عن حاجتها لعدد محدود من المتطوعين ليساعدوا في تنفيذ الحملة، حتى توافدت أعداد كبيرة أضعاف العدد الذي أرادته اللجنة، وهو ما يؤكد أن المبادرة إلى فعل الخير نهج أصيل لدى القيادة والشعب.

إن إغاثة المنكوبين هي من أسمى الأخلاق الفاضلة، فضلاً عن كونها طاعة وقربى لله تعالى، ينال بها المرء الخيرية عند الله، كما ورد في الحديث: «خير الناس أنفعهم للناس»، وفي حديث آخر: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً»، وهذا ما تفعله هذه الإمدادات التي تواصلت عبر الأساطيل الجوية والبحرية، ولاتزال تتوالى عبر هذه الجسور الخيرة، فهي إغاثة حقيقية، وفيها بشارة نبوية بمحبة الله لمن دل على ذلك أو فعله، ففي الحديث: «الدال على الخير كفاعله، والله تعالى يحب إغاثة اللهفان»، فهنيئاً لشيخ الإنسانية وهذه القيادة الرشيدة التي تجوب إغاثتها المشارق والمغارب.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر