«نلتقي»

أنا «أستهبِل» إذاً أنا مشهور

د. بروين حبيب

«مواقع التواصل نجحت في تحويل التافهين إلى رموز، صار يمكن لأية جميلة بلهاء أو وسيم فارغ، أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين» حتى هذه الخلاصة التي ذكرها آلان دونو في كتابه «نظام التفاهة» تكاد تصبح من الماضي. يكفي أن يهزّ شخص كرشه المترهلة، أو يمشي مشية سخيفة يكررها في كل فيديو ينزله، حتى تتابعه مئات الآلاف وتستضيفه القنوات ويصبح مؤثراً.

وحتى لا نذهب بعيداً في تفسير هذه الظاهرة جوابها بسيط: فتّش عن المال. فحين تنتشر هذه المقاطع تحصد مشاهدات الفضوليين ومدمني وسائل التواصل وعاشقي إضاعة الوقت، فيجني صاحب المقاطع مبالغ مالية ويغفل الجميع عن الشركات المالكة للمنصات التي تجني الملايين من وراء الإعلانات. هي دورة مالية من أسباب استمرارها تفشي هذا المحتوى الهابط.

التفاهة التي تحاصرنا هي جزء من ثقافة الاستهلاك، يسهم فيها المشاهير - بدون قصد وأحياناً كثيرة بقصد - فهي مصدر دخل لهم. هل نحن في عالم طبيعي حين ننشغل بسعر ساعة فلان وثمن حذاء فلانة؟ والمؤسف أن سهولة نشر الفيديوهات على وسائل التواصل جعلت كل من يملك جوّالاً كاتب سيناريو ومخرجاً. رجال عاديون بكل ثقل الدم الموجود على الكرة الأرضية «يستهبلون» وربّات بيوت ينافسن بناتهن في الرقص على «تيك توك»، قيل إن صامويل كورت حين اخترع المسدس قال: «من الآن فصاعداً يستوي الجبان مع الشجاع»، وقد حوّر أحدهم الجملة فقال: «بعد اختراع الفيس بوك وأخواته: من الآن فصاعداً يستوي العالم والجاهل». أما «التيك توك والسناب شات» فذهبتْ أبعد من ذلك إذ يحق لمخترعها أن يقول: الآن يتفوق التافه على لقمان الحكيم.

الغريب أن هذه التفاهة أصبحت مصدراً نحتكم إليه، فمن فترة قريبة غنت فنانة شهيرة كلاماً عادياً نسبته لمحمود درويش، وحين اعترضت مؤسسة محمود درويش على هذا الانتحال، كان ردّ الفنانة عبر محاميها بأن كلام الأغنية «ثابت على المواقع الإلكترونية العديدة» منسوباً لدرويش، هكذا دون الرجوع حتى لدواوينه أو العارفين بشعره.

حبذا لو نطلق في بلداننا العربية حملة مشابهة للحملة التي أطلقها ناشطون غربيون تحت عنوان: «توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير» علّها تكبح قليلاً هذا الاندفاع المخيف نحو كل ما هو سخيف ومضر بالصحة العقلية.

إنه «نظام التفاهة» الذي جرّتنا إليه وسائل التواصل الاجتماعي التي قال عنها يوماً أمبرتو إيكو بأنها «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط.. وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».

حبذا لو نطلق في بلداننا العربية حملة مشابهة للحملة التي أطلقها ناشطون غربيون تحت عنوان: «توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير» علّها تكبح قليلاً هذا الاندفاع المخيف نحو كل ما هو سخيف.

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر