الدهاء الاصطناعي

محمد سالم آل علي

مع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي وانتشارها في كل حدب وصوب، بدأت تلك الأنظمة تقدم حلولاً واعدة في مختلف المجالات، البيئية والطبية والزراعية والصناعية وغيرها من القطاعات؛ حتى بدت كأنها من سيخلّص الكوكب من كل مآزقه ومشكلاته، وذاك بما تحمله من مفاتيح وأجوبة تتجلى عبر مجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية، التي تحمل طابعاً جذرياً سيغير وجه العالم، ويجعل من البشر كائنات تفيض بالسعادة والهناء.

وإذا ما علمتم أن التقدم لا يهدأ ولا يستكين، فلابد من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً وقوة في المستقبل القريب، فأبشروا ببزوغ عصر من النعيم، تتلاقى فيه الطموحات وتتحقق الآمال، وما كان اليوم حلماً فهو غداً من اليقين، فهنيئاً لكم يا أحفادنا، وهنيئاً للآخرين.

بعيداً عن المبالغة والإطناب، علينا أن نعترف بأن الذكاء الاصطناعي، وإن كان يحمل في طياته تطورات إيجابية للغاية، لكنه وفي الوقت ذاته، يمكن أن يشكل مخاطر وتداعيات كارثية، إذا ما تم الاعتماد عليه بشكل مفرط؛ ليس لأنه سيصبح أكثر ذكاءً وتفوقاً، بل لأن الإنسان نفسه سيصبح أكثر كسلاً واتكالية؛ وبالتالي سيغيب الإبداع والابتكار عند كثيرين، وما إلى ذلك من عواقب ستؤثر في المعرفة البشرية، وما يكتنفها من براعة ومهارات.

والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، ولنبدأ بأبسطها كبرامج الإكمال التلقائي والرسائل النصية التنبئيّة، التي تكتب عنك، وتغير في أسلوبك، وكأنها هي من يكتب، وأنت من يقوم بالإرسال؛ وهناك أيضاً برامج تحرير النصوص والمصححات الإملائية التي تصوّب الأخطاء تلقائياً، وتقدم صياغات بديلة، وأنت هنا تقوم بدور المتفرج الذي لا يعلم أين أخطأ ولا يتعلم من ذاك الخطأ، بل قد يقع فيه مراراً وتكراراً دون أن يبالي ما دام هناك من يدقق ويصحح ويقتفي الزلّات؛ وآخر الإبداعات في هذا المجال يتمثل بــ«روبوتات» المحادثة التلقائية، مثل برنامج «شات جي بي تي» (ChatGPT) وغيره من الأدوات التي تعمل على تقويض مهارات الكتابة، وما يرتبط بها من نشاطات عقلية وقدرة على التعبير.

لاشك في أن المستقبل لا يبشر بالخير إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فهناك كثير من الخلاف وعدم اليقين حول الجداول الزمنية لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ولكن مهما كانت سرعة التقدم في هذا المجال، يجب أن تكون خطواتنا لمجاراة هذا التقدم أكثر سرعة واستباقية، وخصوصاً فيما يتعلق ببناء إطار تنظيمي قوي لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وضمان تطويره في اتجاه آمن ومفيد، جنباً إلى جنب مع تطوير أنظمة التعليم التي تواكب ما بين ذكاء الإنسان وذكاء الآلة، فالمطلوب هنا هو عمل مستمر في المؤسسات التعليمية لمواجهة التغيرات، مثل تدريب المعلمين على كشف النصوص التي تكتبها الآلة، أو الاتجاه نحو تطبيق المزيد من الاختبارات الشفوية وواجبات المناقشة الجماعية، أو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي نفسها في كشف المستور من السرقات الأدبية وانتهاكات الملكية الفكرية، وغيرها من الإجراءات؛ حتى لو تطلب الأمر منا العودة للكتابة التقليدية في المدارس والجامعات.

والأهم هو تعزيز الشعور بأن المحتوى الإبداعي والأصلي هو الذي يعبر عن الإنسان أمام ذاته قبل الآخرين، لأنه يتطلب منظوراً فريداً، وبصيرة تختلف من شخص لآخر؛ ومخرجاته تتمثل في الكتابة والكلام اللذين عرفهما الإنسان منذ آلاف السنين؛ فهل يعقل أن يأتي يوم يتخلى فيه البشر عن التعبير، وأن يقايضوا النور بالجهالة؟

قطعاً لا أتمنى حدوث ذلك، كما أنني أود المضي بعيداً عن التفكير في مثل هكذا تحول؛ لأنه إذا كانت الكتابة انعكاساً للتفكير، فماذا ننتظر من عالَم لا يكتب؟

• إذا ما علمتم أن التقدم لا يهدأ ولا يستكين، فلابد من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدماً وقوة في المستقبل القريب.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر