تسمية الأشياء حاجة إنسانية لفهم الكون حولنا

د. كمال عبدالملك

روّجَ فرانسيس بيكون (ت. 1626) لمقولة «المعرفة قوة» وهناك، لاشك، قوة تكمن في تسمية الأشياء، ويقول المثل الصيني «بداية الحكمة هي تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة».

وللتسمية نشأة شائعة عبر مجموعة من الثقافات المختلفة وأنظمة المعتقدات الروحانية البدائية، ومنذ البداية ارتبطت هذه بقوة اللغة. تروي العديد من ثقافات الشرق الأوسط، من السومرية وبلاد ما بين النهرين والأكادية وغيرها، قصصاً عن قوة التسمية المتمثلة بتسمية الحيوانات والتي منحت للبشرية السيطرة عليها.

والتسمية كانت أول الأفعال المسجلة في الكون، وهي كما نجد سيميائية بطبيعتها. من منظور أسطوري، تركت هذه القوة شبه السحرية للتسمية بصماتها، ففي الفلكلور والقصص الشعبي في الغرب نجد مثلاً أنّ الكلمة السحرية Abracadabra التي يستعملها الأطفال هي في الواقع ترجمة من الآرامية تعني «أنا أصنع الشيء الذي أنطق باسمه».

اعتقد قدماء المصريين أن معرفة الاسم الحقيقي لشخص ما أو لشيء ما تمنحك السيطرة عليه. كان المصري القديم يخاف أن يعرف الأجنبي أو الغريب اسمه الحقيقي حتى لا يستعمله في تعاويذ سحرية ضده. وكان أيضاً يعتقد أنه إذا كتبت اسم حيوان مفترس أو روح شريرة ووضعتها في آنية من الفخار ثم قمت بتحطيمها فأنت تقتل الشر بشكل رمزي. تم اكتشاف ما يسمى «نصوص الإعدام» في جميع أنحاء مصر وخصوصاً بالقرب من مناطق الدفن. كل هذه الحكايات تؤكد الاعتقاد بأن هناك قوة في معرفة الأسماء والتسمية.

تم تكليف سيدنا آدم بمهمة تسمية الحيوانات؛ تمرّ أمامه فيسمّيها بأسماء. وفي ملحمة «الفردوس المفقود» للشاعر الإنجليزي جون ميلتون (ت. 1674)، يكتشف آدم، عند مرور الحيوانات أمامه، أنه يعرف أسماءها بالفعل - لقد زرع الله مقدماً هذه المعرفة بداخله. يمكن القول إنّه في هذه اللحظة تم تتويج البشر أسياداً على عالم الحيوانات.

الذي يسمّي هو الأقوى، ألسنا بهذه التسمية نتحكّم في من نسميه، أو نمثّله، أو ندجنّه؟ ألسنا كبشر نختار أسماء أولادنا وعلى هذا النحو نؤسّس سلطة ما عليهم؟

ولكن الأسماء أكثر من مجرد مسمّيات فالاسم قد يعبر عن شخصية المُسمَّى. لذلك إذا أطلق الآباء على أطفالهم أسماء مثل «نبيه» أو «حليم» أو «جميلة» أو «عبير» توقّعوا أن يصبح الطفل متسّماً بهذه السمات.

لا توجد قصة تجسد التسمية كقدرة بشرية حقيقية أفضل من رواية دانيال ديفو «روبنسون كروزو» (1719)، حين تنقذ كروزو من وطأة العزلة والانهيار الناتج عن فقدان الأمل في الرجوع إلى ألفة الوطن والأحبة. هنا، يكتسب منطق التسمية تطوراً جديداً حين يقابل كروزو أحد السكان الأصليين من جزيرة مجاورة ويسميه Friday أي «جمعة». بالتدريج يصبح «جمعة» هذا مركز الكون بالنسبة لكروزو والنعمة الموفرة لقوى إدراكه المتضائلة، والنقطة المحورية في محاولاته لإعادة هيكلة شيء يبدو على الأقل كمجتمع بشري.

لا يحتاج كروزو إلى «جمعة» لتأمين المؤونة وسُبل العيش على الجزيرة بل لتأكيد تقنية التسمية. يتم تسمية «جمعة» على اسم يوم من أيام الأسبوع، وليس وفقاً لمبدأ أعلى. لم يعد السؤال هو ما إذا كانت الأسماء تعني شيئاً في حدّ ذاتها (كما في «نبيه» و«عبير»)، بل بالأحرى كيف ننتجها بأكثر الطرق فعالية في التأكيد على سلطة المسمِّي على المسمَّى.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر