«نلتقي»

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم

د. بروين حبيب

بقدر ما أسعدني أن يهبّ الفنانون والمشاهير العرب للتبرّع وجمع المساعدات لضحايا الزلزال الذي ضرب سورية الحبيبة، وهو واجب إنساني يستشعره كلّ من في قلبه رحمة وخصوصاً تجاه ذوي القربى، آلمني كثيراً ما طال بعضهم من تنمّر، وحتى على ألسنة فنانين مثلهم، فهذا يتّهمونه بتقليد الممثلين الأجانب، وتلك يتّهمونها بأنها تريد أن تزيد من شعبيتها ومتابعيها على وسائل التواصل.. وما إلى ذلك من تراشق مهين. وكأننا مطّلعون على قلوبهم وحرّاس على نواياهم.

التبرّع في السرّ مطلوب بل هو الأفضل، حتّى لا نمنّ على من تبرّعنا له فنؤذيه، ولكن من قال إن التبرّع في العلن مذموم بالمطلق، فهذا كتابنا الكريم يذكره مع توأمه السريّ حين يقول: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً» (البقرة: 274)، بل يمدحه أيضاً ويدعو إليه مع ترجيح إخفاء الصدقة: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» (البقرة: 271). فإذا كان العملان مرغوبين لماذا نتهجم على من يتبرع علانية؟ أو لسنا بذلك نقطع سبل الخير؟ ماذا يستفيد الضحايا إن امتنع الناس عن مساعدتهم بدعوى أن ذلك لا يكون إلا سرّاً.

المفروض أن ننظر إلى النصف المملوء من الكأس، إن كان ما فعله هؤلاء الفنانون لغاية في أنفسهم فهي مسألة تخصّهم، إذ إن النتيجة واحدة، وهي الوقوف إلى جانب المنكوبين، لا يتغيّر منها شيء، بل المفروض أن نحسن النيّات ونعتبر أنّ صنيعهم يدفع فنانين مثلهم إلى منافستهم، ويدفع معجبيهم إلى الاقتداء بهم. لماذا لا نرى أن هذا العمل طريقة ليقول الفنان أو المؤثر المشهور لأبناء وطنه: أنا معكم حاضر للإسهام بما أستطيع لأخفف معاناتكم. ومثلما كنتم تتابعونني وتهتمّون حتى بتفاصيل حياتي، أنتم بالنسبة لي لستم مجرد معجبين، بل أنا منكم وأتابع أخباركم وأحزن لمصائبكم. وحتى لا يشعر الضحايا أيضاً أنهم متروكون لأقدارهم لم يتذكّرهم الفنانون الذين لطالما تابعوهم.

قرأت عن تبرع المشاهير في الغرب لكوارثهم وللقضايا التي يهتمون بها، ولم أجد من اتهمهم بالنفاق ولا بالرياء ولا بالمصلحة، بل يعتبرون ذلك أمراً واجباً ويتنافسون إيجابيّاً فيه. أليس من الأجدى أن نشجع مبادرات مماثلة ونشكر أصحابها، أو على الأقل إن لم نكن راضين عنها نكفّ ألسنتنا عنها ولا نحرّض على قطع طريق الخير في أوطاننا؟، هذا إذا لم نتّبع نصيحة السّهروردي:

فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم... إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرامِ فَلاحُ

أليس من الأجدى أن نشجع مبادرات مماثلة ونشكر أصحابها، أو على الأقل إن لم نكن راضين عنها نكفّ ألسنتنا؟

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر