مقال

المدير الحارق

محمد سالم آل علي

على الرغم من تطور الأنظمة الإدارية المرتبطة بأقسام الموارد البشرية، وتقدم أساليب حوكمتها على مختلف الصعد، مازالت بعض كبريات المؤسسات والشركات العالمية تضع الأشخاص الخطأ في أدوار إدارية لا تناسبهم، وذلك لأنها غالباً ما تستند إلى معايير خاطئة تماماً عند توظيفهم، ومن ثم تتمادى بالخطأ عند قيامها بترقيتهم في ما بعد إلى مناصب مرموقة، يصبحون فيها من أهل الحل والربط، وهكذا يبدأ هؤلاء المديرون بممارسة سلوكياتهم وعاداتهم الإدارية السيئة في كل مكان، ويبثون تأثيرهم في أروقة الشركة وجميع أقسامها، إلى الدرجة التي تصبح فيها الشركة مكبلة، وعاجزة عن استغلال إمكاناتها الحقيقية، فيتقهقر الأداء، وتتراجع الربحية، ويتضاءل الأثر المجتمعي إلى أن يغيب ويندثر.

والمؤسف هنا هو أن كل تلك التداعيات المفجعة كان بالإمكان تلافيها لو كانت هناك رويّة وتأنٍ قبل التكليف والتعيين، فالسمات البشرية، مهما حاول الناس إخفاءها، فإنها لابد ستظهر أمام الأعين الخبيرة، كما أن الكفاءة الإدارية يمكن التأكد منها عبر التاريخ الوظيفي والعملي، وكذلك هي الحال بالنسبة للمؤهلات العلمية التي يمكن التثبّت منها بخطوات بسيطة وسهلة.

فما السمات والملامح التي يتميز بها المدير السيئ؟ وما الإشارات التي تدل عليها؟

إن المضحك في الأمر هو أن الشركات التي ابتليت بهذا النوع من المديرين تتحول إلى مادة خصبة لاستخلاص الدروس والعبر، ولعل تلك هي مساهمتها الإيجابية الوحيدة في عهد مديريها الميمونين، فهؤلاء العباقرة الذين مهما تعددت خلفياتهم وثقافتهم فلابد لهم من مجموعة من الصفات التي لا حيد عنها ولا انحراف؛ فبداية هم نرجسيون، لديهم حب السيطرة على جميع الموظفين، وحتى عندما يدّعون بأنهم من أنصار الابتكار والعمل الجماعي، تراهم يستديرون على الفور، ويسحقون أي فكرة جديدة يتم طرحها، فمهمتهم الرئيسة هنا هي قتل الإبداع، وإبعاد من كل من يرغب في المساهمة وإحداث التغيير.

وهم أيضاً صمٌّ يفتقرون إلى الاستماع واحترام آراء الآخرين، أي أنهم يعملون فقط في عالم الأنا الخاص بهم، ويعاملون جميع موظفيهم وفق سياسة المسارات الوظيفية المسدودة، فلا استثمار فيهم على المدى الطويل من خلال توفير فرص التعلم والتطوير، ولا ترقية لأحدهم من ذوي المهارات الإدارية والقيادية، فأولئك مصادر الخطر، ويجب وأدهم على الفور.

وغالباً ما يتميز هؤلاء المديرون بأنهم غير مرئيين، أي يفتقدهم الجميع عندما يكونون في أمس الحاجة إليهم، ناهيك عن الستار الذي يحجبهم عمّن يريد لقاءهم، والأعذار هنا تأتي بقالب واحد، فإما تشغلهم المشاغل ووضع الاستراتيجيات لمئات السنين القادمة، أو تغرقهم اللقاءات والاجتماعات ليلاً ونهاراً في سبيل حل المشكلات وفك العقد؛ ومن سماتهم أيضاً استغراقهم في عالم من الوهم والأحلام، فمن منظورهم هم مديرون بالفطرة، يعيشون في زمان غير الزمان، يفنون عمرهم في عالم من الإنجازات، ولولاهم لما قامت الشركة ولا كانت الأرباح؛ كما أنهم لا يرون الانتكاسات ويدركون تبعاتها، ولا يعوّن الفشل ويفهمون مسبباته، لأن الذرائع عندهم جاهزة، وسلسلة الملومين حاضرة، وهي دوماً تبدأ بالرجل الثاني في المؤسسة، ولا تنتهي إلا عند البواب وحارس الأمن.

من المؤكد أنه، وفي نهاية الأمر، ستتم إقالة هؤلاء المديرين، وسيصبحون جزءاً من الماضي، لكن الضرر الذي أحدثوه سيحتاج إلى مجموعة من أكفأ المديرين والإداريين لإصلاحه والتقليل من آثاره؛ فالمستثمر أو المسؤول الذي وضعهم في تلك المناصب الإدارية هو من تعلم الدرس، ولا شك أدرك أخيراً بأن إدارة المؤسسات، وقبل كل شيء، تتعلق بتعزيز العلاقات الإنسانية السليمة، والانطلاق بها جميعاً نحو تحقيق أعظم الإنجازات.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر