استثمار أو ادخار

محمد سالم آل علي

إن كلاً من الادخار والاستثمار هما استراتيجيتان مترابطتان لتحقيق الأمن المالي، لكن الفرق الجوهري بينهما، هو إذا ما كنت تدخر النقود من أجل استخدامها في المستقبل، أو كنت تريد توظيفها في أصول أخرى بغية الدخل والأرباح، وتبقى الصعوبة التي تواجهك هنا هي معرفة متى يجب عليك الادخار، ومتى يجب عليك الاستثمار؟

إن الإجابة عن هذا التساؤل تحتمل الكثير من المقاربات ومنهجيات التعامل، فحين يكون لديك دخل ثابت، ولكن لا مال في متناول يديك، فعليك بالادخار، لأنه سيحميك من حالات الطوارئ المالية غير المتوقعة، كفقدان الوظيفة مثلاً، أو ظهور المصروفات المفاجئة، كما أنه سيفيدك جداً عند تحقيق الأهداف المالية قصيرة الأجل، كشراء منزل أو سيارة أو دفع مصروفات جامعية، وهو في هذه الحالة استراتيجية أفضل لك كثيراً من الاستثمار، أما إذا كان لديك دخل ثابت، وصندوق طوارئ نقدي جاهز عند الطلب، فلا مانع هنا من الاستثمار، لأنه مع وجود النقود في متناول اليد، ستكون أكثر قدرة على التحمل ومواجهة المخاطر، ولن تضطر إلى بيع استثماراتك بخسارة عند أول طارئ، فأنت تمتلك جداراً متماسكاً لتستند إليه، ومرونتك أيضاً بأعلى درجاتها، أما أهدافك فقابلة كلها للتحقق من خلال عوائد الاستثمار، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تستثمر في الأسهم التي ترتفع وتنخفض في قيمتها من ساعة لأخرى، فمن الأسهل عليك تحمل تلك التقلبات العادية إذا كان لديك مصدر نقدي آخر متاح لتغطية حالات الطوارئ المالية.

وقد يقول بعض المتحفظين هنا إن الادخار له مزاياه مقابل الاستثمار، لأن المال فيه لن يتأثر بمرور الوقت، بل سيزداد مع توفير المزيد، كما أنه يمكّنك من الوصول إلى هدفك في الوقت المحدد، طالما أنك توفر المبلغ المناسب كل شهر، إلا أنه في واقع الأمر عرضة بشكل كبير لمعدلات التضخم وزيادة الأسعار، أي أن مدخراتك قد تنخفض قيمتها الحقيقية من عام إلى عام، وسيتعين عليك أن تزيد من الأموال التي تخصصها كل شهر في حال تغيرت الأحوال وازدادت تكلفة الهدف الذي تسعى إليه.

أما بالنسبة للاستثمار، وإذا ما تم الدخول إلى عالمه بشكل سليم ومدروس، فهو وحده القادر على منحك القدرة على تنمية أموالك بشكل أسرع مما تتصور، وسيُظفرك بكل هدف ومبتغى، خاصة إذا كان لديك خبرة وصبر استثماري، فحينها ستتضاعف عوائدك، وتزداد أرباحك، لكن مع ذلك كله، فإن الاستثمار له مخاطره أيضاً، لاسيما حين تكون هناك موجات من الظروف المتغيرة التي تعصف فيه وتقوض من أركانه، أو ربما عندما تكون أنت نفسك مستجداً وقليل الخبرة.

ولعل المسار الأكثر أماناً في كلا الحالين، هو المزج بين الادخار والاستثمار، أي يجب أن يكون لديك صندوقان مستقلان تماماً، فحين تبدأ بالادخار سعياً نحو هدف قصير الأجل، فبإمكانك في الوقت نفسه أن تخوض استثماراً، طلباً لهدف على المدى البعيد، والجميل هنا هو قدرتك العالية على تعديل المسار، أي أن تتحول ببطء من طرف إلى طرف، ما سيساعدك على تجنب كثير من العواقب والتداعيات، فإذا كان القادم واعداً تميل للاستثمار، وإذا كان ضبابياً تعود للادخار.

وتبقى النصيحة الأولى والأخيرة هي الاستئناس بآراء أصحاب الحنكة والتمرس في هذا المجال، أي أنك إذا لم تكن متأكداً مما يجب عليك فعله، فعليك اللجوء إلى مستشار مالي يساعدك على اتخاذ القرار، وعليك أن تتذكر دائماً بأن المستقبل كالبحر ممتلئ بالتقلبات، وكلما كان لديك نفَسٌ أطول كلما كنت جاهزاً للتحديات.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر