فلسفة الأوبونتو

هناك تقارب كبير في ثقافات البشر حول الكرة الأرضية، لأن الإنسان كائن اجتماعي، يميل للانتماء والعيش ضمن جماعة، ولكن مع التطور الهائل الذي مرت وتمر به البشرية، يبدو أن الكثير من أنماط المعيشة وسلوكيات البشر قد تغيرت كثيراً، وللأسف تغيرت للأسوأ. في الفترة الأخيرة قررت التعلم أكثر عن إفريقيا والفلسفة الإفريقية، فهي أقدم قارة، ومنها نبع الكثير من الحكمة وأسلوب الحياة الممتزج بالطبيعة والنظام الايكولوجي، والذي أفسده الاستعمار الأوروبي بكل عنف. استوقفتني فلسفة «الأوبونتو» Ubuntu التي تنتشر في جنوب إفريقيا، وكذلك معظم القارة الإفريقية، والكلمة تعني «أنا أكون لأنك تكون» أو «أنا موجود لأنك موجود»، وهي تعكس قيمة الكل وقيمة المجتمع، فالإنسان لا يستطيع العيش وحيداً من دون تعاون وتعاضد مع أخيه الإنسان.

إن فلسفة الأوبونتو تعني الإيمان بإنسانية مشتركة ومترابطة، وأن سعادة الفرد ونجاحه مرتبطان ارتباطاً وثيقاً برفاهية وسعادة الآخرين. إن جوهر أوبونتو أن تكون إنساناً وتحترم أخيك الإنسان، وتعملان معاً للتكامل وليس للتنافس ومحاربة بعضكما بعضاً، حيث يمكن للأرض أن تتسع للجميع، ويمكن للكل أن يخدم الفرد، والفرد أن يخدم الكل، فهي علاقة تبادلية تكاملية، فيمكن للجميع أن يخدم ويساعد حتى من دون شهادة جامعية. المطلوب فقط قلب مليء بالإحسان وروح مفعمة بالحب، فالأوبونتو هي طريقة للعيش في هذا العالم، وهي كلمة تلخص الجوهر الحقيقي لما يجب أن يكون عليه الإنسان. وبحسب موقع أكاديمية أوبونتو للقيادة، فجوهر تلك الفلسفة أن إنسانيتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإنسانيتك، وبالتالي فأنا إنسان لأنني أنتمي وأشارك في وجود هذا المجتمع. أنت وأنا خُلقنا من أجل الاعتماد المتبادل، وأن يكمل بعضنا بعضاً. تركز طريقة أوبونتو على تطوير خمس كفاءات أساسية هي: معرفة الذات، الثقة بالنفس، المرونة، التعاطف والخدمة، وتعني المعرفة الذاتية الإدراك الداخلي للتغييرات النفسية والعاطفية، العواطف، الدوافع، المخاوف والأحلام، فالشخص الذي يدرك أو يفهم ذاته من الصعب عليه فهم الآخرين أو التعامل معهم.

الثقة بالنفس في غاية الأهمية، فكما قال نيلسون مانديلا: «كل شيء يبدو مستحيلاً حتى يتم إنجازه»، فإدراك الفرد لقوته وإمكاناته وإيمانه بالذات يشكل قيمة جوهرية شخصية، وتدور الثقة بالنفس حول التركيز والشجاعة رغم العقبات والانتقاد والصعوبات، أما المرونة فتعني التغلب على العقبات والقدرة على تحويل المحن إلى فرص للنمو، لأن كل تحدٍّ أو صعوبة نواجهها بنجاح تقوّي الإرادة والثقة والقدرة على التغلب على المحن في المستقبل، أما التعاطف فيعني أن نرى العالم بعيون الآخرين، ونتفهم ما يواجهونه ولا نحكم على بعضنا بعضاً، فالتعاطف هو فن وضع الفرد نفسه في مكان الآخر.

وأخيراً الخدمة، ويمكن تلخيصها في أنها طريقة ملموسة للتواصل، فعندما يكون كل إنسان مدركاً لمسؤوليته في العالم، قادراً على اكتساب المهارات البشرية والأدوات اللازمة ليصبح قائداً خادماً نشطاً. إذاً من خلال معرفتنا بأنفسنا، والاعتماد على مواهبنا، والإيمان بقدراتنا للتغلب على الشدائد والشعور بالآخر؛ يكون كل منا مستعداً للخدمة واستعادة وتعزيز كرامة الإنسان. إن البدء بمساعدة الآخرين وخدمتهم هو نقطة الانطلاق نحو التغيير الحقيقي والعيش بتناغم في مجتمع مُنتج يسوده الاحترام والود.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة