دعونا نرَ أنفسنا في ضوء مختلف

د. كمال عبدالملك

في هذه الأيام، نحن محاطون بالشاشات.

شاشات في كل مكان، في الهواتف والأجهزة اللوحية، شاشات التلفزيون في المقاهي، وشاشات عرض مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات في المطارات، ولكن حتى قبل أن تصبح الهواتف والأجهزة اللوحية رفقاءنا الدائمين، استحوذت الإسقاطات والصور المتحركة على خيالنا. ما تعنيه هذه الصور وكيف نراها هي المسائل التي تستحوذ على اهتمام د. جوليانا برونو، أستاذ الدراسات المرئية والبيئية في جامعة هارفارد.

في كتابها الجديد «أجواء الإسقاط وتمثيلاته في البيئة والفن»، تحلل د. برونو العلاقات المتبادلة بين الإسقاط والبيئة، وتستعيد مفهوم «الإسقاط» كقوة إبداعية إيجابية.

في حديثها لمجلة هارفارد غازيت، تقول د. برونو «كنت مضطرة للتفكير في الصور المُسقَطَة، لأننا محاطون بها في الفن المعاصر، وكذلك في الحياة، فلدينا شاشات في كل مكان، في المتاحف وفي البيوت.. وبالعودة إلى التاريخ، لطالما افتتننا بالظلال التي يُسْقِطها مصدر الضوء على سطح الجدار، التي تعود إلى لوحات الكهوف.. هذا الإسقاط، المولود في عصور ما قبل التاريخ، يربط بين تاريخ البشرية وتاريخ الإبداع».

ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، اتخذت فكرة «الإسقاط» دلالات سلبية، إلى حد كبير، لأن المصطلح في التحليل النفسي يعني إزاحة مشاعر المرء عنه وإسقاطها على الآخر. وقالت: «لقد أصبح هذا يعني أن أي شيء غير سار أو سلبي في أنفسنا يمكن أن نسقطه على شخص آخر».

يعود الارتباط السلبي أيضاً إلى أفلاطون، الذي يجعل ظلال الكهف خداعاً. وشددت برونو على أن «السجناء في الكهف رأوا صوراً لأشخاص معروضة (أي أُسْقِطَت) على الحائط، واعتقدوا أن هذه الظلال هي لأناس حقيقيين.. وهكذا يُنظر إلى الصور على أنها تعكس الأوهام». منذ أن أصبح كهف أفلاطون استعارة للسينما، أصبح المتفرج شخصاً محبوساً في فضاء ينظر بشكل سلبي إلى الصور الوهمية الزائفة المعروضة على الشاشة أمامه.

بالنسبة إلى برونو، هذه القراءة تخطئ الهدف: «في الواقع، يأتي مصطلح الإسقاط في الأصل من الكيمياء»، ففي معناه الأصلي في القرن الـ15، كان الإسقاط يعني «الإشارة إلى التحول في الكيمياء»، مؤكدة أن التحول هنا شكل من أشكال الخَلْق.

وقالت «أنا أعمل في علم الجمال، ولدي عقل فلسفي، لكنني أيضاً مهتمة بالتاريخ. وعندما تنقب في التاريخ عن أصل الكلمة، تدرك أن هذا الجانب التحويلي كان موجوداً ولكن تم تشويهه..»، ثم أشارت إلى الدلالات السلبية لتلك العبارة «بدلاً من الابتعاد، يمكنك القول إن الإسقاط هو وسيلة للتقدم للأمام- للمضي قدماً»، وأضافت «أنظر إلى التاريخ ليس فقط لأرى كيف تحول مفهوم الإسقاط هذا بمرور الوقت، ولكن كيف يمكن أن يغير مستقبلنا.. أود تغيير هذه المفاهيم لإعادة تأسيس مفهوم وجماليات العلاقات المتبادلة التي يمكن أن تؤثر على الطريقة التي نعيش بها من خلال التأكيد على إمكانية التغيير». وأشارت إلى أن الفنون تظهر بعض أهم أعراض وإمكانات التغيير الثقافي والاجتماعي في الفنون اليوم، لهذا السبب يركز النصف الثاني من الكتاب على الفنانين المعاصرين، مثل المخرجة شانتال أكرمان، والفنان روبرت إيروين «أنا أفسر، وأكشف كيف أن الخيال الفني ينتج بفعالية جواً إبداعياً فريداً، وأجواء ثقافية جديدة، وجماليات طازجة».

• قبل أن تصبح الهواتف والأجهزة اللوحية رفقاءنا الدائمين، استحوذت الصور المتحركة على خيالنا.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر