لماذا يُحرق المصحف الشريف ويُمزّق؟!

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتجدد الاستفزاز الهزيل للإسلام والمسلمين بين حين وآخر من قبل فاقدي القِيم، وفي الدول الغربية بالذات، باسم ما سموه «الحرية»، وهي الإِفكةُ الكبرى التي يرددونها فصدقوها، وليست من الحرية في شيء، إنما هي الهمجية والشذوذ الأخلاقي المقيت، ولو كانوا صادقين لتركوا للناس حرِّية التدين كما نصت عليه دساتيرهم العلمانية، ولم يتعرضوا لرموز الديانات بمثل هذه الأفعال المشينة.

إن دين الإسلام ودستوره القرآن الكريم هو الذي قدَّس الحرية للناس في التدين، ودعا إلى احترام الديانات، ولم يَجُرْ على فرد أو أمة، ولا على كتاب مقدس، في تشريعاته ولا في واقعه، وبرهان ذلك التعايش السمح الذي تعيشه الديانات المختلفة في الدول الإسلامية المتعاقبة، وفي جوار المسلمين ومساجدهم، فهذه هي الحرية الحقيقية التي يقول فيها المصحف الذي أحرقته ومزقته الأيادي الشلاء: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، ويقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، ويقول: {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}.

فهل قرأه أولئك الأغمار الذين يتطاولون على القيم الإسلامية والإنسانية؟

إننا نعلم أنه لا تخلو أمة من سفهاء، ومن حاملي ألوية الشر، ودعاة الرذيلة، غير أن هؤلاء من ورائهم حمايةٌ رسمية أو حزبية، فهؤلاء الشذاذ يتكلمون بلسانهم وأولئك الحماة يقرُّون، ولولا ذلك لما كان إحراق المصحف الشريف بحماية بوليسية، وترخيص رسمي، فمن المسؤول إذاً؟ المنفذ أم المرخص والحامي؟!

ومن العجب العجاب مع هذا الفعل المستنكر أن يكون الاعتذار أشبه ما يكون بالتأييد والإقرار، إذ الحرية المعتذر بها لا تخوِّل التعدي على المقدسات واستفزاز أصحاب الديانات، وفق القانون الدولي، كما لا تخول الاعتداء على الغير جسدياً أو مالياً، فالاعتداء على الدين أعظم وأجلُّ من الاعتداء على شخص في جسده أو ماله؛ لأن الاعتداء على الشخص يمكن تعويضه بمسامحة أو إرجاع الحق إلى صاحبه، أما الاعتداء على الدين المقدس فهو اعتداء على الإنسانية جمعاء، لأنها تقدس الديانات، وبالذات هو اعتداء على نحو ملياري مسلم، أي ثلث البشرية تقريباً، ومثل هذا ليس من الحرية في شيء، بل هو الهمجية المقيتة التي يأباها عقلاء البشر.

إن المصحف الشريف الذي امتدت إليه أيادي الأغمار ليس هو تلك الأوراق المقدسة فقط، فالمصحف الشريف لا يُحرق، فهو محفوظ في الصدور أكثر من حفظه في السطور، وهو قبل ذلك وبعده في حفظ الله وكلاءته، فلا تصل إليه يد قذرة، إذ لا يمسه إلا المطهرون، وما فعلته تلك الأيادي الآثمة إنما هي نفثة مسمومة لاستعداء المسلمين في كل مكان، لعلهم يعيدون الحروب الصليبية، غير أن المسلمين أسمى من هذه الأمنية البغيضة، فهم لا يُجرَّون إلى ما تتمناه الأنفس الشريرة؛ لأنهم دعاة سلام دائم، وهم حملة رسالة عالمية ينشرونها في الأرض بعز عزيز أو ذل ذليل، وها هم المسلمون يجوسون خلال الديار الغربية والشرقية وكل بقعة من بقاع الأرض، يحملون راية السِّلم والإخاء، فهل يستطيع مثل أولئك الأشرار أن يطفئوا نور الله الذي يحملونه لعباده؟ كلا، فإن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

إن مثل هذا الفعل الشنيع الذي استنكره عقلاء العالم من مختلف الديانات كان سبباً لأن يتعرف الناس إلى الإسلام، فدخل فيه عدد كبير خلال هذه الأيام المعدودة، لعلمهم أنه دين الإنسانية جمعاء، وأن حقه أن يوقر ويعزر، وكأني بقول أبي تمام:

وإذا أراد الـلـه نشــر فـضـيلـةٍ * طـُويـت أتـاح لهـا لسـان حسـودِ

لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود.

كأني به ينطبق على مثل هذه الأفعال الرعناء، فلا نبتئس معاشر المسلمين، فإن للقرآن رباً يحفظه.

 «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر