مواصفات الخيال

أمل المنشاوي

تحلم به صغيرة، وتتمناه أميراً، تنتظر قدومه كل يوم، وتبحث عنه وسط العيون، ترسم صوره في أحلامها البسيطة فارساً محباً عاشقاً، ثم شاباً وسيماً تحسدها عليه الأخريات، ثم رجلاً مقتدراً قادراً على تحقيق الأمنيات، ثم نموذجاً مكتملاً لا نقص فيه ليرضي الطموحات، ثم خيالاً لا وجود له إلّا في القصص والحكايات، ثم وحدة ومعاناة وحرماناً حتى الممات.

يفرض جمال الفتاة وشبابها وقوتها سلطانه وغروره في بداية الطريق فتأبى كما تشاء، وتخلق من العدم أسباباً للرفض، وتقول بملء إرادتها ألف «لا»، وتتجاهل كل المزايا والفضائل الأساسية والجوهرية من دين وخلق وأصل طيب مقابل نقص هنا أو هناك يمكن أن تصلح الحياة من دونه، وتتعدد مع نجاحها العملي والمادي الشروط والأحكام، فتفتش عن الخفايا والعيوب في كل طارق باب وطالب ودّ، فكيف لها أن ترضى بهذا أو ذاك بعد كل هذا الصد؟ ثم تمر السنوات سريعة مفزعة فتتبدل الأفكار وتتراجع المواصفات وتهدأ حتى تتلاشى كل الاشتراطات.

قصة قصيرة محزنة تعيشها كثيرات من الفتيات اللواتي احتجن توعية ودعماً من الأهل، وللأسف لم يجدنه، هذا الوعي الذي يجب أن يبدأ مبكراً جداً ويتشكل صحيحاً بعيداً عن خيال يوميات مشاهير التواصل الاجتماعي وما تصوره من أحداث مفتعلة ومعدّة سلفاً عن الزواج الذي يحوي كل مواصفات الخيال، بينما الواقع مرير.

الزواج ليس حباً متأججاً فقط ولا استعراضاً ولا تباهياً بالمال والأثاث والبيوت، ولا تفاخراً بأصل أو عائلة أو منصب، وإن كان كل ذلك مهماً، لكنه ليس الأساس الذي تُقام عليه البيوت ويُقدم على ما سواه من دينٍ معتدلٍ وخلقٍ حميد.. هما فعلاً مفتاح السعادة الحقيقي.

الزواج وبناء أسرة يجب أن يقوم على دعائم قوية تدوم وتصمد في مواجهة الصعوبات، وما أكثرها وأعقدها، يجب أن يكون أساسه القبول وحسن الاختيار والتفاهم والاحترام ورغبة في الستر، وكل ذلك لا تستطيع غالبية الفتيات القيام به وحدهن؛ إذ لابد من مشاركة حقيقية من الأهل وحوار منطقي ودائم معهن لتأهيلهن، وخوف صادق على استقرارهن النفسي والعاطفي قبل مراعاة رأي الأقارب والأصدقاء والجيران.

كثيرات من الفتيات يرسمن صوراً خيالية عن الرجل الذي ترتضيه زوجاً ويرفضن رجالاً أفاضل يستحقون القبول، صوراً ذهنية بعيدة عن واقع أزلي يؤكد أن الكمال لله وحده جلّ وعلا، وكلنا - رجالاً ونساءً - لدينا نواقص وعيوب، وهذا ما يجب أن تفهمه كل فتاة منذ نعومة أظافرها حتى لا ينكسر قلبها وتفيق بعد مرور العمر على الأوهام.

• الزواج ليس حباً متأججاً فقط ولا استعراضاً ولا تباهياً بالمال والأثاث والبيوت، ولا تفاخراً بأصل أو عائلة أو منصب.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر