العُمُر ساعة فاجعله طاعة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

أعظمُ ما لدى الإنسان هو عُمُره، فليس هناك شيء يوازي ساعات العمر، فإن المال والجاه والبنين والدنيا بأسرها ليست شيئاً إذا انتهى أمد الحياة، فكل ذلك يكون هباءً منثوراً، فكان لابد لكل إنسان أن ينظر إلى عظيم مِنَّة الله تعالى عليه بعمره الذي تنحتُه الأيام والليالي نحتاً، فما مضى منه لا يعود، والمستقبل أملٌ قد يكون المرء فيه موجوداً وقد يكون مفقوداً، لذلك حثنا الإسلام على اغتنام العمر، وعدم التفريط في قليله فضلاً عن كثيره، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

فهذا الحديث فيه توضيح حقيقي لما يمر فيه الإنسان من أحوال لا ينفك عنها، وفي كل حال عليه أن يحرص على أن لا يضيع عمره فيما لا ينفعه في دينه قبل دنياه؛ لأن الدين هو الذي يعيش به المرء عيشة سعيدة في الحياة الأبدية، أما هذه الحياة فهي فانية، وكما سماها الله تعالى «متاع الغرور»، وقال سبحانه عنها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، فيلهو ويتمتع بها المغرور، أما الفطن فإنه يجعلها زاداً للحياة الدائمة المستقرة، فإن لم يفعل ذلك فإنه يندم ولات حين مندم، كما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ليس يتحسَّر أهلُ الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها»، هذا وهم في نعيم الجنة، ومع ذلك يتحسرون على ساعات لم يستغلوها فيما ينفعهم في حياتهم الأبدية، وتزيد من نعيمهم في الجنة، فكيف بمن لم يَدخل الجنة أساساً، فهو الذي أخبر الله عنه بقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}، فيقال له: {كَلَّا}، ويزيده توبيخاً بقوله سبحانه: {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

إن العمر الذي أمد الله تعالى به المكلف هو نعمة تستوجب شكر المنعم سبحانه وتعالى، ومن شكره أن لا يضيعه في لهو وبطالة، فإنه سيسأل عن هذه النعمة العظيمة، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما وضعه، وعن عِلمه ماذا عمل فيه»، فأول سؤال عن العمر الذي هو أساس التكليف من أجل التشريف بمقام العبودية لله رب العالمين، يُسأل عنه فيما أفناه؟ هل أفناه فيما خلقه الله تعالى لأجله، وهو الإيمان به سبحانه وعبادته، أو أفناه في شهواته ولذاته وبطالته، وعندئذٍ يكون الجزاء من جنس العمل، إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌ، وقد أشار القرآن الكريم لهذه المساءلة الأولية بقوله سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، وهو خطاب معاتبة لمن يقول: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فإنه لا يجاب لذلك، بل يوبَّخ ويقرَّع بأنه فوَّت الفرصة على نفسه، فقد متَّعه الله بالعمر، وأنذره بالشَّيْب، فلم ينتفع بذلك، فلا يلومنَّ بعدئذٍ إلا نفسه.

إن العمر الذي متعنا الله تعالى به هو أمانةٌ عظيمة، فيجب أن تؤدى الأمانة كما أراد مؤتمِنُها سبحانه، وذلك بعدم تضييعه في لهو وبطالة، فإن المرء لم يخلق لذلك «فكل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله».

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في الأعمار وقبول الأعمال.

• إن العمر الذي متعنا الله تعالى به هو أمانةٌ عظيمة فيجب أن تؤدى الأمانة كما أراد مؤتمِنُها سبحانه.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر