شركات اليوم الواحد

محمد سالم آل علي

تعد مسألة طول العمر قضية مركزية في عالم الأعمال، فالشركات الصغيرة والناشئة تواجه العديد من التحديات في السنوات القليلة الأولى من عمرها، وهي تحديات يصعب التغلب عليها، ما يؤدي بالكثير منها إلى الفشل والإغلاق، ولعل الإحصاءات العالمية تميل إلى دعم هذا الاتجاه، وهي التي تؤكد على أن نحو 20% من الشركات الصغيرة تفشل بحلول نهاية عامها الأول، ومن ثم 50% منها بحلول نهاية عامها الخامس، أما بحلول السنة العاشرة فيرتفع هذا الرقم إلى 80%.

والصعوبات تتنوع هنا وتتعدد، وأولها انعدام دراسات الجدوى والأبحاث، وهو أمر له تأثير كبير على مسار الشركات منذ الولادة وحتى النضج، وإذا ما تجاوزناه ستأتي مسألة جودة العمالة، وسلامة اختيارها من قبل أقسام الموارد البشرية، فتحديد المرشحين المتميزين ثم جذبهم هو التحدي الأكبر، وأي خطأ سيؤدي إلى ارتفاع معدل دوران الموظفين، أي تسريحهم والبحث عن موظفين جدد، وبالتالي سيحدث استنزاف هائل لموارد الشركة، وسيسهم في فشلها بأسرع مما يمكن تصوره.

وإذا افترضنا أن قسم الموارد البشرية نجح في توظيف الفريق المناسب، ستبرز مسألة إدارة سير العمل، وهي مسألة لا تقل صعوبة عما سبقها أيضاً، لأن الفريق مهما كان مميزاً وموهوباً لابد له من أدوات تساعده على القيام بعمله وإتمامه بكفاءة، والأدوات هنا تبدأ باختيار أنظمة الحوكمة المؤسسية التي تتواءم مع طبيعة الشركة، ثم اختيار أفضل المرشحين للإشراف على تنفيذها، إضافة إلى تطبيق برامج التدريب والتعلم المستمر من أجل الحفاظ على أرصدة المواهب وتنميتها، وأيضاً تعزيز العمل من خلال تبني مفاهيم الإبداع والابتكار، وتلك كلها كما هو معلوم مفاهيم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود أقسام متخصصة بالبحث والتطوير.

نصل بعد ذلك إلى موضوع التخطيط المالي، وترشيد النفقات، وهو أمر لا يتحقق إلا من خلال الاستعانة بأفضل محاسبي الأعمال والمستشارين الماليين في سبيل إدارة التدفق النقدي، وتحليل الوضع المالي للشركة، وبالتالي مساعدة الإدارات على اتخاذ القرارات الأفضل، فمعدل النمو السليم للشركة تحدده نتائج الدراسات المالية، وهو أمر لابد من أن تنسجم فيه خطط التوسع مع أحجام العمالة.

ننتقل بعدها إلى موضوع المنافسة، والبحث عن الزبائن أو المتعاملين المحتملين، فالشركة حين تكون حديثة العهد تكون ذات اسم جديد غير مألوف، وستحتاج إلى مضاعفة الجهود، فإذا كان الناس لا يعرفونها، فحتماً لن يشتروا منها أو يقصدوا خدماتها، ولو قصدوها بعد بناء علامتها التجارية، فهل سيستمرون معها؟ لا أحد يعلم، لأن الشركة الناشئة، وبسبب صغر رأسمالها، ونقص موظفيها، سيصعب عليها إسعاد الناس بالطريقة التي يرغبون فيها، وبالتالي قد ينفضّون عنها باتجاه شركات ذات تمرّس وخبرة أكبر.

وباختصار يمكننا القول إنه من أجل نجاح الشركات، ووصولها إلى مرحلة النضج والاستقرار، عليها أن تمتلك مزيجاً خاصاً من نقاط القوة التي تستفيد منها، إلى جانب نقاط الضعف التي تنجح بمعالجتها، وعليها أيضاً أن تنظر إلى مسألة الأعمال التجارية من منظور مجتمعي وبيئي، أي أن تمتلك القدرة على الاستجابة لقضايا الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، وأيضاً أن تبتكر نماذج أعمال قادرة على المنافسة في العالم الرقمي، وأن تمتلك مزايا تساعدها على التكيف والتوسع في هذا العالم بطرق سريعة وذكية.

ولا ينتهي الأمر هنا، فبعد نجاح الشركة في تحقيق الديمومة وطول العمر، تأتي مسألة الانتقال السلس والآمن للثروة بين الأجيال، فإن فشلت فيها فمصيرها التفتت والضمور، أما إذا أفلحت فهي حينئذ باقية ما استمرت الأعمال.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر