شتاء الإمارات

أمل المنشاوي

يُقبل محملاً برائحة دفء البيوت العتيقة والشوارع المحفورة في الذكريات، ينشر الخير أينما حل وارتحل، يُهدئ الأرواح والأبدان بعد هجير الصيف وحر الطرقات.

يطرق الأبواب والنوافذ المغلقة بزخاتٍ حانية، تنفتح بها فيوضات الرحمن وقلوب الصبية، وأيادي الصغار الممتدة لالتقاط حبات اللؤلؤ من العائد بعد غياب طويل.

ينشر الخير والبشر على أسنة معاول الفلاحين وعمال المزارع، ويسعد قلوب النساء اللواتي يطلقن تمتمات بدعاء يعرف طريقاً موثوقاً للسماء.

يرسل رسائله للأمهات للاستعداد، فيفتحن الخزائن والحقائب المغلقة على الأغطية الدافئة والملابس التي مازالت تحتفظ برائحة الجوري ومسك الصلوات.

يرتدي البحر بقدومه ثوباً آخر، وتعود الطيور البيضاء لتشارك الأطفال المرح على الشواطئ، وتتلون السماء بألوان الغروب التي توقظ فينا الحنين لمن فارقونا وأبعدتنا عنهم المسافات.

يقصر نهاره ويمضي سريعاً ليحل ليله الطويل ضيفاً محبباً، تتسع أوقاته وتستوعب ساعاته زيارات الأهل وسهر الأصدقاء، وحكايات الصبايا التي تغزل الأحلام والأوهام، وترسم كل ليلة ألف خيال، وتتصاعد مع أبخرة مدافئه الهموم والأوجاع، وتسكن الأحزان، وينتظر الجميع عطلة نهاية الأسبوع وقهوة وشاهي «شبة النار» التي تضيء عتمة الليالي وتجلي تعب الأرواح.

هذا هو الشتاء الذي يحيي جفاف الأرض ويعيد بهاء السهول ويجري الوديان، وينبت الزرع والشجر ويروي ظمأ الصحراء.

الشتاء طعم مختلف للأيام وروائح طعام زكية وبهجة لا تنتهي وقشعريرة برد حانية على الوجوه.

الشتاء، الأيادي المخبأة في المعاطف والمتشابكة حباً وشوقاً، والأقدام المسرعة عائدة لدفء العائلة، كلما اشتد المطر.

الشتاء، صوت الأغاني والحلوى الساخنة وأكواب الشاي والموائد العامرة والأذرع المفتوحة كرماً وحسن استقبال.

الشتاء، مشاكسات الصغار قبل النوم، وقسوة إخراجهم من دفء الأسرّة مبكراً، والخوف عليهم من لفحاته القارسة كل صباح.

الشتاء هنا في الإمارات شكل آخر وطقسٌ مختلف، معتدل وحانٍ ومبهج أيما بهجة، يأتي كل عام بعد شوق طويل، فتفتح النوافذ ليلاً ونكتفي بطقسه البديع نهاراً، ونرتاح فيه من هجير الصيف وهوائه الساخن.

الشتاء هنا في الإمارات أجواء بديعة، ومناطق سياحية من طراز رفيع، وخدمات عالية المستوى.

الشتاء في الإمارات دلال ورفاه في المنتجعات والفنادق والمراكز التجارية والشواطئ الخلابة والصحراء المتسعة، لانطلاق الروح والألعاب، والمخيمات و«الشاهي الجمر» و«شبة النار».

من يعش في الإمارات يعرف جيداً أن شتاءها من أجمل فصول العام، ليس فقط لاعتدال الطقس وإنما لأجندة حافلة بالفعاليات والبرامج السياحية التي ترضى كافة الأذواق والأعمار.

هنا في الإمارات الشتاء مختلف عن كل بقاع الأرض، لا يشبهه شيء إلا مدنها وناسها وكرم ضيافتها.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر