القَدَم ورمزيتها في المجتمعات البشرية

د. كمال عبدالملك

الدكتورة غيل هاميل Gail Hammil، أستاذة أميركية تدرِّس اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعة الأميركية في دبي. كانت في السابق راقصة في مدرسة الباليه الأميركية، ولديها اهتمام بالتعبيرعن إمكانات جسد الإنسان في الحركة والانثناء والرشاقة. تكتب وتُدرِّس دورات حول الأدب والجسد والرموز المتعلقة به.

اعتادت د. غيل على مشاهدة المتسوّقين في أحد مراكز التسوق بدبي؛ تهتم بأقدامهم وترى ما إذا كانوا يرتدون الصنادل أو الأحذية، وبعدها تتوصّل إلى استنتاجات معينة حول مجتمعها الجديد بناءً على ملاحظاتها عن القدمين.

أسعدتني بكلامها وملاحظاتها الذكية عن الأقدام ورمزيتها، وكيف أن الرجال في مجتمعاتنا العربية، عكس الرجال في أميركا، يلبسون الصنادل ويظهرون أقدامهم بحرية، حتى في قاعة المحاضرات أو في اجتماعات مجالس الإدارة.

قرأت مقالاً لها عن رمزية القدَم الحافية والقدم داخل الحذاء والصندل، والقدم الراقصة والباليه، والقدم في أماكن العبادة، والقدم باردة ودافئة، والقدم مُقدِمة ومُترَدّدة.. متعة فكرية وسعادة غمرتني وأنا أستمع لغيل وهي تحدثني بابتسامتها المميّزة عن طريقة جديدة في فهم الإنسان عن طريق قراءة القَدَم وليس قراءة الكف.

مما جعلني أبحث في رمزية القدم في الثقافات المختلفة، فوجدت أنّه وفقاً للعديد من الأساطير، فإن الاستعارات والرموز الخاصة بالقَدَم تمثل أيضاً الخصوبة والإثارة الحسية، ولكن مع ذلك، فإن القدم هي أيضاً رمز للاحترام والتقديس والخضوع، وغسل القدمين ودهنها هو عمل ينمّ عن التواضع والمحبة. وفي تاريخ التطور، نجد أن القدم مكّنت الإنسان من المشي المستقيم واكتشاف عوالم جديدة.

والقدم راسخة بعمق في لغتنا العربية: َقدِمَ، تقدَّمَ، استقْدَمَ؛ القَدَمُ من الرِّجال أو النساء: الشجاعُ/ ة؛ القَدَمُ: وَحدةُ قياس توازي ثُلُثَ يَاردة والجمع: أَقْدَامٌ؛ ثبّت اللهُ قدمَه: قوّى قلبَه/ أدامه في مكانه وأقرَّه؛ زلَّت به القَدَمُ: أخطأ، انحرف عن الصَّواب؛ على قَدَم الاستعداد: على أُهْبَة الاستعداد؛ على قَدَم المساواة: بالتَّساوي؛ على قَدَمٍ وساقٍ: بكلّ قوّة، بطاقته الكاملة؛ مشَى على أطراف قَدَميه: مشى في سكون؛ مِنْ أخْمَص القَدَم إلى قمَّة الرأْس: جميعه، بصورة شاملة. القَدَم، وكما ذكرنا، تشير إلى الوحدة الأساسية للقياس؛ فما هو أصل قياس القدم؟ ظهر أول مقياس معروف للقدم في سومر، نحو 2575 قبل الميلاد. يتكهّن بعض علماء المقاييس بأن القدم الإمبراطورية قد تم تكييفها من مقياس مصري فرعوني، ويعتقد البعض أن القياس الأصلي للقدم الإنجليزية كان قدم الملك هنري الأول، الذي بلغ طول قدمه 12 بوصة؛ وكان هدفه هو توحيد وحدة القياس في إنجلترا في عهده. لكن هذا غير محتمل، لأن هناك سجلات للكلمة تُستخدم قبل ولادته بنحو 70 عاماً (1068 – 1135).

وقديماً كانت القَدَم الصغيرة في المجتمع الصيني تمثّل قمّة الأنوثة وجاذبيتها (كما كان الخصر الصغير في إنجلترا في العصر الفيكتوري). وبالنسبة للعائلات الصينية التي لديها بنات «على وش جواز»، كان حجم قَدَم الفتاة وشكله الخاص وسيلة لتحقيق الارتقاء المجتمعي والمفاخرة بذلك (يعني كما نقول في مصر كانت البنت «قَدَم السعد»).

وترتيب مكانة العروس الصينية الرائجة كان كالتالي: العروس الأكثر رواجاً كانت التي تمتلك قدماً يبلغ طولها ثلاث بوصات، والتي يطلق عليها اسم «اللوتس الذهبي». والعروس ذات القدم البالغ طولها أربع بوصات كانوا يطلقون عليها اسم «اللوتس الفضّي»، والمسكينة ذات القدم التي تمتد إلى خمس بوصات أو أكثر كان رفضها مؤكّداً باعتبارها «اللوتس الحديدية»، واحتمال أن تجد «ابن الحلال» كان ضئيلاً جدّاً.

ولله في خلقهِ شؤون. «طريقة جديدة في فهم الإنسان عن طريق قراءة القَدَم، وليس قراءة الكف». *

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر