سجية

عبدالله القمزي

اشتهرت قناة تلفازية بمذيع نجم ذي صوت جهوري وطريقة تقديم مميزة أسر بها المشاهدين لعقود. بعد مرور 30 عاماً قرر التقاعد، فوقعت القناة في مأزق. كيف لا وهو مذيعها النجم الذي كبرت معه أجيال واستخدمته القناة لتغطية أكبر الأحداث.

اجتمع مسؤولو القناة لبحث المأزق، وقال رئيسهم: «كنا نعلم أن هذا اليوم آت لكننا ظنناه بعيداً عدة سنوات، فمذيعنا المخضرم دخل الـ70، وقال إنه ينوي التقاعد في الـ74 وليس الآن، وللأسف لم نستعد لهذا الظرف، أي تبكيره قرار تقاعده».

انتهى الاجتماع دون التوصل إلى حل وطلبوا من المذيع الاستمرار لشهرين فقط ليتسنى لهم إيجاد البديل فوافق. قبل أسبوعين من نهاية المهلة قابلت القناة كثيراً من المذيعين الشباب، لكن لم تجد فيهم كاريزما المذيع المخضرم.

خطرت لأحد المسؤولين فكرة، فطرحها: «لماذا لا نجرب تومي؟»، إنه بشوش الوجه ويقدم برامج أطفال منذ فترة، وجربناه في برامج حوارية للتغطية على زملاء في إجازاتهم وكان أداؤه جيداً جداً.

تومي موهوب جداً ولديه عضوية في المسرح الوطني ويؤدي كثيراً من الأدوار في المسرحيات، إنه بارع في تقمص الشخصيات. لم لا نطلب منه تقليد مذيعنا المخضرم؟ سيتقبله الجمهور مع الوقت لأنه سيعطيهم ما يريدون: الصوت وطريقة الإلقاء التي اعتادوا عليها كل هذه العقود. أما الشكل فيمكن تقبله مع الوقت. سنعطيهم ما تريده عقولهم الباطنة.

أجرى المسؤولون تصويتاً فوافق الجميع، فلا يوجد خيار آخر. اجتاز تومي التدريب وهو «مغمض العينين»، فهو يعرف المذيع المخضرم وحفظ طريقة إلقائه عن ظهر قلب.

ظهر تومي على الهواء لمدة شهر كامل، وتابع المسؤولون تقييمات القناة فلم تهبط قط. استضاف تومي المذيع المخضرم وأجرى حواراً مؤثراً معه وبثت القناة تقريراً مطولاً عن إنجازاته تكريماً له.

ارتفعت تقييمات القناة بعد تلك المقابلة، لكن تومي تعب من تقمص شخصية المذيع المخضرم ولم يرغب في التعبير عن شعوره تقديراً للمسؤولين الذين زادوا مرتبه ومنحوه ترقية مستحقة.

يعلم تومي في قرارة نفسه أنه سجين هذه الشخصية ولا يستطيع الخروج منها وبدأ يشعر بالاكتئاب. بدأت تظهر على وجهه علامات التجهم التي جاهد لإخفائها.

في يوم ما فازت مسرحية كوميدية لتومي بالجائزة الأرفع وخلقت حالة هوس وأصبحت حديث الناس.

طلب مخرج النشرة من تومي استضافة منتج المسرحية على الهواء، في المقابلة قال المنتج لتومي: «ولا ننسى دورك يا تومي لولاه لما اكتمل عملنا». فجأة، تغيّر صوت تومي وأخرج صوت شخصيته في المسرحية وطريقة إلقائها وقال نكتتها الشهيرة، فانفجر الجميع ضاحكين، بما فيهم المخرج الذي اضطر إلى بث الإعلانات، لأن تومي سقط أرضاً من الضحك.

عبرة

قد تكون مقلداً ناجحاً، لكنك لا تستطيع مخالفة سجيتك، فهي ملكة نفسك. صحيح أنك ستؤدي أداءً ممتازاً لو مارست مهارة معينة بشكل مستمر، لكن الناس ستتذكر أصالتك التي عرفتك بها وليست مهاراتك التي اكتسبتها.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

abdulla_AlQemzi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر