الفتوى وأهدافُ التنمية المستدامة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقدت الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى في العالم مؤتمرها السابع في القاهرة في 17 و18 من هذا الشهر، برعاية كريمة من رئيس جمهورية مصر، وتنظيم دار الإفتاء المصرية، وكان بعنوان «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة»، شارك فيه جمهرة من المفتين والعلماء من كثير من الدول العربية والإسلامية، وبعض هيئات الأمم المتحدة المعنية بالتنمية المستدامة، وكانت محاور هذه التنمية هي: الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع.

ونظراً لما للفتوى من أثر في توجيه الفكر الإنساني لمحاور التنمية، فإن العلماء المشاركين بينوا أن التنمية المستدامة هي من مهام ديننا الإسلامي الحنيف، الذي عُنِي بالإنسان والبيئة ما لم تُعن به ديانة أخرى، لأنه دينٌ وازن بين حاجة الروح للإيمان، وحاجة الجسد للتنمية الشاملة في جميع ما يحتاجه الجسم الإنساني، فهي التي نطق دستورها الأعظم – القرآن الكريم – يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، فالدار الآخرة التي هي المآل الدائم؛ لا يستقيم السعي إليها إلا بصلاح الجسد المفتقر إلى مقومات الحياة، من غذاءٍ طيب كاف، وهواءٍ صاف، ولباسٍ واف، لذلك أوجب العناية بالموارد، حتى يستمر عطاؤها، وحرَّم وجرَّم الإفساد في الأرض؛ لما في ذلك من جناية مباشرة على الأرض التي استخلف الله تعالى عليها الإنسان، وحثه على عمارتها، ومثل هذه المعاني تحتاج إلى موجهات فكرية، تحمِل المرءَ على الحفاظ على ما منّ الله تعالى به على عباده، والذي يَقدر على تفعيل هذه الموجهات هم العلماء المبينون شرع الله تعالى لعباده، فكان عليهم واجب هذا البيان والبلاغ، حتى تستقيم الحياة على وجهها المرضي لدى ربنا سبحانه، ولدى الناس في حاضرهم ومستقبلهم.

إن موضوع التنمية المستدامة، هو جديد العنوان، لكنه في شرعنا قديم البنيان، وقد غفل الناس عن إثارته رِدحاً كبيراً من الزمن، لكنَّ الشريعة وعلماءها لم يكونوا غافلين عن ذلك، فحديثهم عنها قديم متجدد، في وجوب الحفاظ على كل مقومات الحياة، من صحةٍ ومالٍ وسلامة بيئةٍ وعنايةٍ بالموارد الطبيعية، وسعيٍ لتطوير الصناعات الحرفية والمكنية، وكل ذلك مدون في كتب الفقه، وعلى ألسنة المفتين والوعاظ والفقهاء.

غير أن بعض الناس قد يتنكب لهدي الشرع الذي عُني بالتنمية المستدامة هذه العناية، فضلَّ عن سواء السبيل، وذهب يفسد في الأرض عمداً أو جهلاً، وذلك باختلاق الفتن، واتباع الأهواء، وامتثالاً لمغريات خارجية.. فكان على العلماء واجب السعي الحثيث لإرجاع من شذَّ عن الجماعة، وحاول الإفساد، بالمناصحة الحكيمة القائمة على الحوارِ والجدال بالتي هي أحسن، وببيانِ الأحكام الشرعية الواجبة الامتثال، وخطورةِ ارتكاب الحماقات على الفرد والمجتمع، وما يترتب على ذلك من فساد عريض، والتحذيرِ من عقاب الله تعالى الأليم لمن خالف أمره ونهيه، والتحذيرِ من استشراء تلك الفتن بحماية المجتمع من أن يفتنوا بالمنحرفين عن الجادة، وحمايةِ الناشئة وتحصينهم بالعلم الشرعي الصحيح، والمعارف المفيدة، وإعداد المناهج السليمة التي تصون الفكر ولا تغذيه بمثل تلك الانحرافات.. إلى غير ذلك من الموجهات الفكرية التي يمكن للمفتين والعلماء القيام بها، وأداؤها على أحسن وجه.

وقد خرج هذا المؤتمر النافع ببيان ختامي وتوصيات مفيدة، كلها تبين أن التنمية المستدامة من مهام شريعتنا الإسلامية، وأنها واجب الوقت، فيتعين على كل بلد أن يسعى لتحقيقها، وأن البشرية في خطر إذا استمر إهمال التغير المناخي، وواجبُ العلماء كبير في سبيل الحفاظ على التنمية واستدامتها؛ لأن كلمتهم مسموعة، والبلاغ والبيان عن الله ورسوله واجب.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر