كسر القلوب

أمل المنشاوي

«التفاخر لكسر القلوب، يتجاهل أن وراء كل نعمة سبباً وحكمة ربانية»

ساحة حرب نفسية، واستدعاء للحسد وضيق الصدر، يخلق مسافات بين الأهل والأصدقاء والجيران، وباب واسع للمقارنات والنظر لما في يد الغير.

يعمي البصر والبصيرة عما بين أيدينا من نعم، فننظر لحالنا بعيون النقص والحرمان، ونفقد راحتنا وسلامنا النفسي، واليقين بأن كل شيء بقدر، والأرزاق على تنوعها مقسمة بعدل إله حرّم الظلم على نفسه قبل أن يحرّمه بين العباد.

يوقظ مشاعر مضطربة تجاه من نحبهم، فلا ندري هل نحن على العهد والود الخالص معهم، أو أننا ننافقهم وتكنّ صدورنا لهم شيئاً آخر.

يأخذنا على حين غفلة، فتتكشف صفات الأنانية وحب الظهور والسبق والتباهي الذي لا يعرف خط نهاية ولا حد توقف.

يتسلل للنفوس ليقض مضجعنا، ويبدل صورنا، ويُخرج أسوأ ما فينا، فنصبح أغراباً عن طباعنا الأصيلة وأخلاقنا، وما تربينا عليه.

إنه التفاخر الذي يتجاوز «وأما بنعمة ربك فحدث»، إلى كسر قلوب الآخرين وإشعارهم بالضعف وانعدام الحيلة تجاه ما تصبو إليه النفس البشرية من مال أو حب أو نجاح أو ذرية، وغيرها من النعم التي بات استعراضها مرض العصر وآفته.

التفاخر لكسر القلوب، يتجاهل أن وراء كل نعمة سبباً وحكمة ربانية، تعلم ما يصلح حال كل منا، فنجد هنا مالاً، وهنا نجاحاً، وهنا راحة بال، وهنا صحة وسعادة، لنأخذ جميعاً في نهاية المطاف حظاً عادلاً من نعم الحياة وأوجاعها.

التفاخر لكسر قلوب الآخرين، خُلقٌ مذموم، وصفة يبغضها المولى، عزّ وجلّ، وتعالٍ على المعطي والمنعم الوحيد ومن بيديه الكريمة مفاتيح الخير.

التفاخر والتباهي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلغ مبلغاً يستوجب أن نقف بحسم تجاه تسلله إلى نفوس الأسر، وخاصة الأبناء الذين باتوا ينظرون للجهد والتعب والعمل على أنه بلا فائدة، مقابل العائد المرتفع الذي يتأتى من التفاهات التي تطاردهم من كل حدب وصوب.

نحتاج إلى أن نتوقف عن قص تفاصيل حياتنا لمن نعرف جيداً حجم إمكاناته، ونترأف بمن لم تسمح له الظروف بحظ وفير من العمل والنجاح والسعادة، خصوصاً إذا كان ذا كفاءة وصاحب ذكاء.

علينا أن نسأل أنفسنا بصدق ما الفائدة التي نجنيها إذا كسرنا قلباً أو أوغرنا صدراً أو أورثنا في النفس حزناً أو تعالينا بنعمة نعرف جميعاً منعمها، وأنها إن زالت فقلما تعود.

كسر القلوب بالتفاخر والتباهي، حتى وإن زيّنه البعض وبرّره، لا يستقيم مع التربية السوية والأصل الطيب والخشية من الله تعالى، وينتقص من احترامنا الصادق لأنفسنا، ويحرمنا متعة ونعمة الإشفاق على الآخرين.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر