رحمةُ الله للعالمين

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

رحمة الله تعالى للعالمين هو سيدنا محمد بنُ عبدالله بنُ عبدالمطلب بنُ هاشم بنُ عبد مناف، إلى آخر النسب الشريف، المتفق عليه بين أهل السير والتاريخ، فهو الذي سماه خالقه ومرسله وباعثه {رحمةً للعالمين}، أي عالم الإنس والجن والكون كله، لأن العالمين جمع عالَم، فشمل جميع العوالم، التي تعبد الله طوعاً أو كرهاً، فرحمته شاملة.

أما المؤمن فلاهتدائه به عليه الصلاة والسلام، وأما غيره فبتأخر معاجلة الله تعالى له بالعذاب على عصيانه وكفره، كما يقول المفسرون، وكما قال ربنا سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فكان بذاته عليه الصلاة والسلام أَمَنَةً لأهل الأرض، وبقي الأمان لهم ببقاء أمته المستغفرة والمنيبة لربها سبحانه، وهي باقية ما بقيت السموات والأرض، كما بشرنا نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد ظهرت آثار رحمته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهو حَمْلٌ، حيث حفظ الله تعالى مكة وأهلها من جيش أَبرهة العرمرم، الذي جاء بخيله ورَجِله ليهدم الكعبة ويستحلَّ بيضاء مكة، فكانت نشأة النبي عليه الصلاة والسلام الأولى المُستكِنَّة سبباً لأن يهلك الله أبرهة وجيشه وعدته وعتاده على أعتاب مكة، حماية لوجود نبينا عليه الصلاة والسلام، إذ لو أنه دخلها لاستحرَّها قتلاً وسبياً، وما كان الله ليمكّنه وقد أراد الله تعالى أن يكون ذلكم الحمل رحمة للعالمين.

وكذلكم قومه الذين آذوه وحاصروه وأتمروا عليه ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، فإنه لم يعاجلهم بدعاء هَلَكة كما كان يفعل الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام قبله، بل كان يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، ولما راوده مَلَكُ الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين - أي جبلي مكة أبا قبيس وقَيقُعان - قال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً»، فأيُّ رحمة كان صلى الله عليه وسلم؟! إنها الرحمة التي كان يفتخر بها، ويقول: «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، ويقول: «إن الله تعالى لم يبعثني طعَّاناً ولا لعاناً، ولكن بعثني داعية ورحمة»، هي الرحمة التي عمت الكون بنور الله الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، فكانت ولادته رحمة، وبعثته رحمة، وجهاده رحمة، وحياته كلها رحمة، حتى موته عليه الصلاة والسلام كان رحمة، كما قال: «حياتي خير لكم، تُحْدِثون ونُحْدِث لكم، وموتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فما كان من حسنة حمدت الله عليها، وما كان من سيئة استغفرت الله لكم».

وها نحن نعيش القرن الخامس عشر من بعثته، ونحن نعيش في هذه الرحمة بمعرفتنا لربنا سبحانه وتعالى؛ إيماناً به، وعبادةً له، ومحبة له، وعملاً بشرعه، وتأسياً به عليه الصلاة والسلام، فعُمِرت الأرض بنور نبوته، حيث لم يبق بلد من أصقاع الأرض إلا وفيه مسلمون يوحدون الله تعالى ويعبدونه ويستغفرونه، فتحفظ بهم الأرض ومَن عليها، كما وعد ربنا جل شأنه، فحُقَّ لكل مؤمن ومؤمنة أن يشكر الله تعالى أن جعله مسلماً متبعاً لهذا النبي الذي بعثه الله تعالى هادياً، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ولم يجعله منحرفاً لمن تنكَّر لخالقه، فعبد آلهةً أخرى أو عبد الهوى، أو استهوته الشياطين فتنكَّر لفطرة الله التي فطر الناس عليها، أو ممن يسعى في الأرض فساداً.

إننا معاشر المسلمين نحمد الله على أن هدانا للإيمان فعبدناه بما شرع، ونسأله سبحانه الثبات عليه حتى نلقاه.

لم يبق بلد من أصقاع الأرض إلا وفيه مسلمون يوحدون الله تعالى ويعبدونه ويستغفرونه. 

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر