صناعة المواهب

محمد سالم آل علي

لقد أضحى اكتشاف المواهب وتطويرها موضوعاً مركزياً في الخطط الاستراتيجية لمعظم دول العالم، حيث دُمجت تلك المساعي ضمن برامج المؤسسات التعليمية، باعتبارها الحاضنة المثالية التي تجمع النشء والأجيال، وعلى عاتقها تقع مهمة استطلاع قدراتهم ومكامن قوتهم؛ وليس هذا فحسب، بل عليها العمل على تعزيزها ودعمها وتأهيلها لكي تلعب دورها المجتمعي الأهم في قيادة مسيرة التنمية، وتحقيق الازدهار المنشود.

ومع تزايد تحديات العصر غير المسبوقة، برزت الحاجة إلى وجود مؤسسات تُعنى بتطوير الطلاب خارج أماكن التعلم الرسمية، وكانت الاستجابة لتلك المتطلبات على شكل مجموعة من المبادرات التي تشجع مشاركة الطلاب في الأنشطة المهارية والبدنية، مع التركيز بشكل خاص على التعلم من خلال العمل والتجريب، وذلك بهدف إغناء معارفهم الحياتية، وإعدادهم للانتقال من أيام الدراسة إلى الحياة العملية مزوّدين بكل ما يلزمهم من سمات ومعارف وفنون وقدرات تعينهم على مجابهة القوادم وقهر التحديات.

وقد انطلقت جميع المبادرات، سواء تلك المتعلقة بالتعليم الرسمي أو تلك التي تعمل موازية له، من حقيقة راسخة، مفادها أن اكتشاف المواهب غاية تُدرك إذا ما آمنّا بأن كل طفل أو شاب لديه مواهب فطرية وطبيعية، وأنها وإن كانت مستترة وغير ظاهرة، فعلينا نحن إخراجها من خلال نظام مصمم ومحكم للاكتشاف والتطوير، يُظهر قدرات الفرد المتأصلة، ويكون بمثابة خطوته الأولى على مسار الإبداع والتفوق، ودليله نحو بلوغ رجائه وملامسة شغفه الحقيقي في الحياة.

ولأن دولة الإمارات تأبى مكاناً غير الصدارة، فقد جاءت مبادراتها في هذا المجال مثالاً يُحتذى، ومنارة يَهتدي بها كل من رغب وأراد، ففي إمارة الشارقة فرضت مؤسسة «ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين» مكانتها كأول مؤسسة من نوعها، عربياً وإقليمياً، ترمي إلى بناء جيل إماراتي ملتزم بهويته الوطنية، وقادر على قيادة المستقبل والتأثير فيه؛ وفي دبي أطلقت مؤسسة «حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز» مشروع «فاب لاب الإمارات»، الذي يهدف إلى إنشاء جيل إماراتي مبتكر من خلال دعم الموهوبين، وتوفير البيئة الحاضنة لتنمية مواهبهم وتطويرها، وكذلك الأمر في أبوظبي، حيث أطلق برنامج «موهبتي» بهدف اكتشاف الإبداع وتنمية المواهب الناشئة؛ وطبعاً غيرها الكثير من البرامج والمبادرات الرائدة التي تنتشر في جميع أرجاء الدولة، وفي مختلف الاختصاصات.

لا أخفيكم أنني، وبعد أن قرأت ما كتبت، رسمت نقطة في نهاية الكلام وضعت القلم لاتّكئ على كرسيي متأملاً أولادي ومتفكراً بكل جيلهم من أطفال وشباب، ثم قلت في سريرتي: هنيئاً لكم أنتم يا شباب الإمارات، وهنيئاً لنا نحن آباؤكم، فقد منّ الله علينا بأن نكون من أبناء هذا الوطن العظيم، وأن يُكتب لنا العيش تحت ظل قيادته الرشيدة التي حرصت على فئة الشباب، وأولتها اهتمامها البالغ، باعتبارها ركيزة التنمية ومخزونها الذي لا ينضب؛ فإن كان واقع العصر يقول إن المواهب هي وقود الإبداع وشرارة الابتكار، فقد استبقته التوجهات الرشيدة من خلال صناعتها قبل استكشافها، ومن ثم دعمها وتعزيزها عبر مجموعة من الخطط والاستراتيجيات التي أيقنت الحاجات المجتمعية وربطتها بالمؤسسات التعليمية والأكاديمية؛ فأنشأت المراكز والأندية العلمية والمعرفية، ونظمت أيضاً المسابقات والجوائز والملتقيات الإبداعية، كله ضمن إطار متكامل تناغمت فيه الجهات الحكومية والخاصة فيما بينها، وتعاونت في سبيل ترجمة الرؤى وتحقيق المستهدفات؛ فأنتم يا أحبائي تحيَون في وطن لا يرضى إلا بالريادة، ولن يهدأ ولو تجاوزها بمراحل وأشواط.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

 

تويتر