حيرة

عبدالله القمزي

الحيرة أو التباس الأمور وخلطها أو التشوش من الأمور التي تحدث لنا بشكل يومي حتى لأولئك الذين يخططون حياتهم بشكل مسبق. فقد تجدها محتارة لا تعرف ماذا سترتدي لعملها أو تجده محتاراً لا يعلم أي هاتف ذكي يشتري.

أو تجد شخصاً قرأ خبراً عن مباراة في بطولة وأجاب به سؤالاً عن مباراة أخرى في بطولة أخرى للفريقين نفسيهما، مثلاً. أو تجد شخصاً يقف حائراً أمام طابور يتعامل بالأرقام لكنه لا يعلم أين يأخذ رقمه وعندما يسأل يكتشف أن استلام الأرقام عند «الكاونتر رقم 1» في ذلك المكان، يعني عليه أن يتخطى الطابور حتى يأخذ رقمه، والعادة أن جهاز استخراج الأرقام يكون معزولاً في مكان بارز جانباً.

تنتاب الحيرة الطلبة كثيراً في فترة الدراسة والامتحانات وفي فترة الجامعة تجدهم محتارين لا يعلمون أي تخصص يأخذون. والحيرة قد تكون المستقبل نفسه وخياراته، فهذا المستقبل من أشد الأمور غموضاً في حياتنا، خصوصاً عند انقلاب الأمور رأساً على عقب وفرض واقع جديد علينا يجب اتخاذ قرارات معينة بشأنه.

الشخص الذي يسأل كثيراً قد يكون الأكثر حيرة، ولكن ذلك لا يعني أن الشخص الذي يملك الإجابات هو الأذكى. وهنا تلعب أنواع الشخصيات دوراً كبيراً لإضفاء مزيد من الحيرة.

يبرز لك شخص يريد أن يثبت لك ذكاءه وهو نفسه محتار مثلك لكنه يبرع في إخفاء حيرته فيعطيك إجابات تحيرك أكثر ولا تخدمك في شيء، لأن كل ما في الموضوع أنه يحاول إثبات ذكائه وشخصيته عليك بينما هو نفسه لا يعلم شيئاً ولا يمتلك إجابة أسئلتك ولا حتى أسئلته.

إجابات هؤلاء تكون عادة مستمدة من خبرتهم التعليمية العميقة أو هي إجابة غير صحيحة فحسب. كأن يأتيك من يريد فرض شخصيته عليك ويستغل حيرتك فيخبرك أن بك عيوباً وعليك إصلاحها، فتصدقه وتشك في نفسك، ولكن عندما تنظر إليه نظرة متمعنة تجد أنه لا يمتلك شيئاً أصلاً ليعطيك.

الشخص الذي يريد مساعدتك لإخراجك من حيرتك لن يبرز عيوبك قط، بل على العكس سيساعدك على الخروج بإبراز نقاط قوتك وتذكيرك بمن هو أنت فعلاً ويعزز ثقتك بنفسك ثم يضع أمامك خيارات ممكنة ومعقولة وينصحك بأي خيار تختار، وليس ذلك فقط، بل تجده يتواصل معك ليطمئن عليك.

لكن هل الحيرة شيء سيّئ؟ كلا ليس دائماً. الحيرة في أحيان كثيرة تجعلك تؤجل قرارات فترة من الوقت يكون بعدها ذهنك في حالة صفاء تستطيع معها اتخاذ قرار أفضل.

موقف

منذ عقد ونصف، كنا في بانكوك نُعد تقريراً تلفازياً، والبديهة لدينا كصحافيين أن نختم تقريرنا بلقطة وسط البشر لبث الروح في الصورة. لم نتمكن من ذلك أبداً بسبب شدة الازدحام في المكان والكتل البشرية المتدفقة بيني وبين المصور.

احترنا في الأمر وقررت تأجيل التصوير لساعة ثم أدركت أن خلفنا محطة قطارات. فقررت الاستغناء عن الروح البشرية لصالح «الأكشن»، متيقناً أنه الحل واختتمت تقريري وفي الخلفية قطار يغادر المحطة والضوضاء تكاد تغطي صوتي وكان قراراً موفقاً. للتخلص من الحيرة عليك أحياناً تغيير جزء من الصورة ولست مضطراً لأخذ كل ما هو موجود أمامك.

• الشخص الذي يريد مساعدتك لإخراجك من حيرتك لن يبرز عيوبك قط.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

@abdulla_AlQemzi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر