الثمن الباهظ

أمل المنشاوي

يستهلك من العمر والصحة الكثير، ويملأ الصدر ضيقاً وحرجاً، ويورثنا المرض إن رافقنا في كل موقف ودرب.. يغير ملامحنا كمداً، ونصرع به هدوء عقولنا وثبات أفكارنا، ويهز ثقتنا بأنفسنا وقناعاتنا الخاصة.. نخسر بسببه الصاحب والقريب والجار، ونُجهد به البدن ونعكر به صفو أيامنا وسلامنا النفسي.. تجرّنا إليه الأنانية وحب الظهور ويطاوعنا فيه موروث بغيض عنوانه: «رؤيتنا الصحيحة لكل شيء وفي أي وقت»، ويساعدنا على الخوض فيه ثقافتنا وخبراتنا ومكانتنا في الحياة، فننجرف لنعي بعدها أننا دفعنا ثمناً باهظاً لشيء لا يستحق.

إنه الجدال، ساحة النِزال التي لا تنتهي أبداً بانتصار، والدائرة الشيطانية محكمة الغلق التي لا تعترف بنقاشٍ هادئ ولا بتنازل عن رأي حفاظاً على الود.

ذاك الذي يحرمنا متعة الاتفاق على الفكرة وإن تباينت طرق تنفيذها ويمنعنا من خلق نقطة التقاء في نهاية الطريق، ويغلق عيوننا عن نور آخر النفق.

الجدال وسيلة عقيمة وقديمة لإثبات وجهة نظرنا ورؤانا، وباتت أهم أسباب الخلاف والشقاق بيننا في العمل والأسرة والمحيط القريب، ونفقد في طريقها سكينة أرواحنا وتآلف قلوبنا والحرص على الحب والتواصل الإيجابي مع من حولنا.

الجدال باب من أبواب الحزن والأرق والإحساس بالخيبة، حين نفتحه مع ابن أو زوج أو أخ، فتصدمنا المناطحة وتلاشي حواجز الود والحب والاحترام، فلا يتبقى إلا لوم أنفسنا كيف أننا لم ننسحب أو نبتعد عن هذا السفح، لنحافظ على كبريائنا وكرامتنا.

الجدال يُغذي النزعة الهجومية والتحفز لكل من حولنا ويطبعنا بطبع «من لا يعجبه شيء»، ويخلق سمعة سلبية عنا ويفقدنا القدرة على التغيير للأفضل وتحسين مهاراتنا وتعاملاتنا مع الحياة.

الجدال مضيعة للوقت والجهد مع من لا يفهمنا ولا يريد تقريب المسافات لنلتقي، ومعول هدم للهيبة وللعلاقات الاجتماعية على تنوعها وتشعبها، ومدخل من مداخل الشيطان للفرقة والخصام والشقاق. وفارق كبير بينه وبين المناقشات العاقلة المثمرة التي تبدأ بعد أن نتفق أننا في مركب واحد وعلى المساحة الضيقة ذاتها من الأرض، ويجمعنا الكثير الذي يستحق أن يبقى.

نحتاج إلى أن نتوقف عن الجدال لنستوعب من حولنا ونؤكد حرصنا عليهم، وننأى بأنفسنا عن سلوكيات الجهل البعيدة عن الفطرة السوية التي تميل للين والهدوء والحب والتعايش، وألا ندفع ثمناً باهظاً مقابل شيء لا يستحق.

الجدال باب من أبواب الحزن والأرق والإحساس بالخيبة، حين نفتحه مع ابن أو زوج أو أخ، فتصدمنا المناطحة وتلاشي حواجز الود والحب والاحترام.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر