«مكتب العائلة».. ثروة لثروة

محمد سالم آل علي

تُعد الشركات العائلية في دولة الإمارات، بما توفره من وظائف وإسهامات رئيسة في الناتج المحلي للدولة، عنصراً رئيساً في الاقتصاد الوطني، وشريكاً فاعلاً في مسيرة التنمية والتطور؛ وقد حرصت القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على ضمان استمرارية تلك الشركات وحمايتها من أخطار التفتّت، وذلك من خلال العديد من القرارات والتشريعات المتمحورة حول حوكمتها بالمقام الأول، وتشجيع إدراجها في أسواق الأسهم، إضافة إلى التدخل المباشر عبر لجان قضائية مختصة من أجل حل النزاعات التي قد تنشأ بين أفراد العائلة بعد وفاة المؤسسين.

ولعل ما سأتطرق إليه اليوم هو مصطلح «مكتب العائلة» الذي أضحى يأتي مصاحباً للشركات العائلية، خصوصاً عند انتقالها من جيل إلى جيل، هذا الانتقال الذي قد يدفعها للاستعانة بجهة خارجية بغية حمايتها وإدارة شؤون أعمالها بما يتفق عليه جميع الورثة.

و«مكتب العائلة» بإيجاز هو عبارة عن شركة خاصة تتولى مهام إدارة الثروات العائلية بكل ما يرتبط بها من جوانب استثمارية، وهي هنا تلعب دوراً حيوياً بالنسبة للشركات العائلية وأصحابها، فهي أولاً تدعم استراتيجية العائلة وتحفظ ثروتها، وثانياً تنمّي من أصولها وتضمن انتقالها بشكل فعّال عبر الأجيال، أما ثالثاً فهي توفر راحة البال لأفراد العائلة لعلمهم بوجود من يشاركهم العمل في سبيل صون مالهم ورعاية مصالحهم بطريقة مهنية ومنهجية.

وقد أسهم الوعي المتنامي بأهمية المكاتب العائلية في ترسيخ حضورها البارز في مشهد الصفقات العالمية، سواء كان ذلك عبر الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة، إلى أن وصلت التعاملات إلى مليارات الدولارات، وتوسعت لتشمل معظم الاتجاهات والقطاعات.

إلّا أن ما تعانيه تلك المكاتب أحياناً هو فشلها في تحقيق عوائد ثابتة وطويلة الأجل للمحفظة الاستثمارية، ما يؤدي إلى تآكلها أو حدوث تقلبات غير متوقعة فيها، والذي يمكننا ردّه في غالب الأحيان إلى القرارات الاستثمارية السيئة التي يعيبها التسرع وقلة الخبرة، فالمكاتب العائلية تدير محافظ استثمارية كبيرة ومعقدة ومتعددة الأصول، وهي هنا لا تقتصر على النطاقات المحلية فحسب، بل إنها تمتد لتغطي الأسواق العالمية؛ لذلك فهي تتطلب مهارات وممارسات استثنائية على درجة عالية من الكفاءة.

وبالطبع تُعد الحوكمة المؤسسية حجر الزاوية في نجاح أي مكتب، فإنشاء محفظة فعّالة وتشغيلها لابد أن يستند إلى أبحاث وتحليلات ودراسات استثمارية متعمقة، جنباً إلى جنب مع توافر جميع الموارد عالية الكفاءة من موظفين ومستشارين وأنظمة تقنية وإدارية، مع الإشارة إلى عامل مهم جداً، وهو ضرورة أن تتواءم خبرات مديري المحافظ مع توقعات أفراد العائلة، خصوصاً عند اتخاذ القرار.

وحتى نكون واقعيين أكثر علينا ألّا نستثني عاملاً أساسياً قد يؤثر في سلامة الخيارات الاستثمارية للمكاتب، وهو الظروف الاقتصادية المعاكسة والمتغيرة، أو تلك الأحداث المفاجئة التي يصعب التكهن بها، فأشد المتابعين والمتخصصين لم يكن ليستبق أحداثاً كالتي ترافقت مع جائحة «كوفيد-19» وما ارتد عنها من تداعيات على الأسواق العالمية، كما أنه لم يكن ليتوقع أيضاً الازدياد الكبير في أسعار الطاقة وتعطل الإمدادات الغذائية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؛ لذا فأفضل التعويل هنا يكون على التكيف وسرعة الاستقراء، فإذا تصاعدت معدلات التضخم، يكون الخيار بامتلاك العقار، لأن أسعار الأصول العقارية حينئذ نحو ازدياد، أما إذا ارتفعت أسعار الفائدة، فستنخفض الأسهم وسيأتي التداول بها بأجدى العائدات؛ والأمثلة هنا كثيرة ولا مجال لأن تُعد وتُحصى.

«مكتب العائلة» عبارة عن شركة خاصة تتولى مهام إدارة الثروات العائلية بكل ما يرتبط بها من جوانب استثمارية.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر