حقد (2)

عبدالله القمزي

في قناة تلفازية، كان هناك مذيع ناجح، يتمتع بشعبية جماهيرية، ولم تكن له أي منافسة تذكر من قبل أي زميل. كان المذيع يقدم نشرة إخبارية، يتعاون على صنعها وإعدادها فريق مراسلين ميدانيين ومعدين داخليين.

لم يكن هناك مراسل ميداني مميز بعمله، لكن كان واحد منهم أنشط من البقية، ولا يقول كلمة «لا» لو كُلف بأي مهمة، ولو استدعوه في وقت إجازته. مع مرور الأيام، شعر المذيع بالضيق، عندما سمع امتداح مدير غرفة الأخبار لذلك الصحافي الميداني ونشاطه وهمّته.

قاطع المذيع المدير، قائلاً: لكننا لم نر شيئاً مميزاً في عمله. فقال المدير مبتسماً: يكفيني أنه يؤدي عمله على أكمل وجه، ويعمل في الأوقات الصعبة، ويقطع إجازته من أجلنا.. أما التميز فهو لك أنت.

استضافت المدينة حدثاً كبيراً، وبدأت عمليات التغطية الميدانية التي تفانى فيها الجميع. أثناء اجتماع دوري يسبق الخروج إلى الميدان، قال المذيع للصحافي الميداني: عندما تكون معي على الهواء لا أريدك أن تبتسم. استغرب الصحافي من التعليق، فسارع المذيع بالقول: لأن ابتسامتك حمقاء، فلا أريدها أن تظهر على نشرتي.

استغرب الجميع من التعليق، وبعد أيام عدة، قال المذيع للصحافي: صوتك نشاز، ومخارج حروفك غير واضحة، من الأفضل أن تدخل تدريباً خاصاً أشرف عليه بنفسي. رفض الصحافي التعليق، واختار عدم تصعيد الأمور، حفاظاً على مصلحة العمل.

بعد أن أنهى الصحافي لقاءً مباشراً من الميدان، استدار إلى المذيع، وختم الفقرة بملخص سريع، وابتسم لا إرادياً ابتسامة شعر الجميع بأنها خرجت من قلبه، وكأنه سمع خبراً سعيداً. جن جنون المذيع بعد انتهاء النشرة، وخرج من الاستوديو وذهب إلى غرفة التحكم، وقال لمدير النشرة: أريد أن أمحو تلك الابتسامة الحمقاء من على شفتيه! لماذا يبتسم هذا المعتوه. ما الذي يجعله سعيداً ليبتسم؟

في اليوم التالي في الاجتماع الدوري، كانت الابتسامة الواسعة لاتزال مرتسمة على محيا الصحافي عندما دخل المذيع الغرفة وصرخ فيه: أزل تلك الابتسامة الحمقاء من على وجهك! فقال الصحافي: صدقني لا أستطيع، فقد رزقت بطفل، اعذرني، لا أستطيع أن أكتمها.

انتشرت حالة استياء شديدة من طريقة تعامل المذيع الوقحة بحق موظف بريء، يؤدي عمله على أكمل وجه، وبدأت حالات انسحاب من العاملين بتلك النشرة، تضامناً مع الصحافي.

اضطر المذيع لتقديم استقالته، لعدم رغبة زملائه في التعامل معه، وانتقل إلى قناة أخرى كبيرة، لكنه طُرد منها في ثلاثة أشهر، لسوء خلقه، واضطر إلى الهجرة إلى بلد آخر، حصل فيه على وظيفة مكتبية، وأصبح نكرة بعد أن كان وجهاً معروفاً.

حصل ذلك الصحافي على عرض عمل أفضل، وأصبح يترأس إدارة في شركة علاقات عامة.

عبرة

يعاقب الله على النية السيئة بالخزي والعار، مهما علت مكانة الشخص، وعندما تكون النية طيبة صافية، فإن الله يرفع الشخص أمام الآخرين، ولو كان ذا مكانة متدنية. الحاقد صاحب إبليس، الذي عندما رأى مكانته ذهبت إلى آدم، صمم على أن ينتقم منه ومن ذريته جميعاً، وهذا الحقد الشيطاني هو الذي يشتعل في نفوس الحاقدين.. وللحديث بقية.

• يعاقب الله النية السيئة بالخزي والعار مهما علت مكانة الشخص.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر