دور قادة الأديان في تفعيل الإخاء الإنساني

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

دأبت كازاخستان منذ نحو عشرين عاماً على إقامة مؤتمرات حوارية بين الأديان، من أجل إرساء قيم التسامح والتعاون بين الديانات السماوية والوضعية القائمة، وقد عقدت سابقاً ستة مؤتمرات، كان لها الأثر الطيب في تقريب وجهات النظر، وإذكاء روح التسامح في كازاخستان التي تتعايش فيها الديانات المختلفة بسلام وتعاون، كما أفاد رئيسها في كلمته الافتتاحية للمؤتمر السابع.

وكان للمؤتمر السابع الذي انعقد في «نور سلطان» وضع آخر من حيث المشاركة الكبيرة التي كانت من نحو 100 دولة، وبحضور ممثلي الديانات، وعلى رأسها «الإسلام»، الذي يمثله شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب، و«المسيحية» التي يمثلها البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية، وبحضور ممثلي مختلف الكنائس، ناهيك عن ممثلي كل الديانات، وجمع غفير من وزراء الأوقاف والمؤسسات الإسلامية من أكثر الدول الإسلامية، ومنها السعودية، التي مثّلها وزير الأوقاف الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، ما جعل هذا المؤتمر أكثرَ أثراً في طرحه ونتائجه.

وقد كانت كلمات الممثلين متحدة على أن التقارب بين الديانات هو مفتاح التقارب بين الشعوب؛ لأن الشعوب تتبع القادة الدينيين، فكان عليهم مسؤولية في إظهار التسامح والتعاون في القيم المشتركة التي دعت إليها الديانات، وكلٌّ تحدث عن القيم المشتركة بين الإنسانية من وحي دينه، ومنها الإخاء، وعمارة الأرض، ونفع البشرية، ودفع المضار عنها.

وقد كان عنوان الدورة «دور قادة الأديان العالمية والتقليدية في التنمية الروحية والاجتماعية للإنسانية في فترة ما بعد الجائحة»، ذلك أن جائحة كورونا كان ينبغي أن توحد الإنسانية لدفع المضار، إذ إنها استهدفت النوع الإنساني كلَّه، ولم تفرق بين انتماء الإنسان الديني أو العِرقي، ما جعل الجميع يستشعر واجبه نحو أخيه؛ لأن حمايته لأخيه هي حماية لنفسه، وهذا ما أجمع عليه القادة الدينيون، فقد أرادوا من أتباعهم أن يطبقوا هذا الشعور، غير أنهم وجدوا ممانعة ممن يؤثر الأنانية وينسى الإنسانية، ما جعل العالم يتأثر بما أفسدته الأنانية الإنسانية.

وواجب القادة الدينيين أن لا يستسلموا لمثل تلك الأنانيات التي جلبت الويلات للبشرية، بل عليهم أن يسعوا لبث الروح الإنسانية بين البشرية، وإظهار القيم الفضلى التي لا خلاف عليها، وعليهم مواصلة نشرها بين الناس، حتى تدفع الانحراف الفكري والسلوكي الذي أصبح يزاحم الفضائل، ويجد من يسمعه ويتبعه، فإن تخلى القادة الدينيون عن هذا الواجب حلَّت بالبشرية المصائب التي تحرمها الديانات المختلفة.

لقد استشعر المؤتمر الخطر الذي يهدد الديانات والقيم الإنسانية، وهو الإلحاد، والشذوذ الجنسي، والانفلات الأخلاقي، فرأوا أن على الجميع الوقوف في وجه ذلك حتى لا يتمدد الخطر ويقضي على البشر، كما أشار إلى ذلك شيخ الأزهر الشريف، مستشهداً بقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، فإن هذا تحذير إلهي واضح، من أن الله تعالى سيؤاخذ الجميع لو أنهم تركوا الظلم يتمدد من غير مقاومة.

إن هذا المؤتمر هو في الحقيقة محاولة جادة لجعل الوضع الإنساني فوق كل اعتبار، حتى لا تتفانى البشرية، وقد كان لوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها رمزا الديانتين الإسلامية والمسيحية عام 2019 في أبوظبي، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الأثر الطيب في تفعيل الإخاء الإنساني، وأصبحت إحدى وثائق الأمم المتحدة، وعلى هؤلاء القادة أن يجعلوا من هذه الوثيقة منطلقاً توعوياً لتابعيهم من أجل مصلحة البشر، وإن هذه المؤتمرات تعد تفعيلاً لدور القادة في إصلاح ما يفسده الإلحاد أو تخربه السياسة أو يعبث به المنحرفون.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر