أرباح وأرزاق

محمد سالم آل علي

حدثني أحد الأصدقاء المقربين، وهو رجل أعمال من أصحاب المال والاستثمارات، عن مقترح جاءه به أحد المديرين، وكان ملخصه تسريح بعض الموظفين، وتوزيع أعمالهم على البقية الباقية، إضافة إلى الاستعانة ببعض الأنظمة الآلية والذكية لسد الشواغر وضمان استمرارية الأعمال.

وكم كان الصديق سعيداً بهذا المقترح الذي سيوفر عليه الكثير من النفقات، حتى إنه أشاد بصاحب الفكرة الذي يعد، حسب رأيه، من أصحاب الإبداع والابتكار، وتغنى به أمامي، مستشهداً بالفكرة العبقرية التي جاءت في ختام المقترح، والتي تمثلت بأن يتم تخصيص هذه الوفورات النقدية كلها في سبيل مبادرات المسؤولية المجتمعية، ما سيضعه أخيراً في دائرة الضوء والأنوار، ويقدمه مسهماً ذا بصمة إيجابية على المجتمع.

انتهى الحديث، وبقي لدي تساؤل يشغل البال: ما ذنب الموظفين المُستغنى عنهم وما مآلهم؟ وهل ستنفعهم تلك المسؤولية المجتمعية وتطعم أولادهم؟

لا شك أن الشركات اليوم، خصوصاً الكبرى منها، باتت تتمتع بقدر كبير من المرونة والاستباقية، لذلك فإنها وعندما تستشعر انخفاضاً في الربحية أو الطلب، فإنها تبادر فوراً إلى اتخاذ قرارات سريعة للتدخل، وتعديل رأسمالها البشري إلى المستويات التي ستسمح لها بالعودة إلى الربحية، وهذا للأمانة له من المسوّغات ما تبرره في بعض الحالات، إلا أن المحزن هو قيام بعض الشركات بالاستغناء عن موظفيها سعياً وراء الرصيد الاجتماعي، دون أن يكون ذلك متعلقاً بأدائها بقدر ما هو إعادة ترتيب لأولوياتها وتوجيه لنفقاتها، وكأن استقرار الموظفين، وخلق فرص عمل للمزيد منهم، لا يلبي الاحتياجات المجتمعية، ولا يعد شكلاً من أشكال الالتزام!

قد يجادلني البعض قائلين: يا أخي كفاك تنظيراً، فالمنافسة اليوم شديدة جداً، ولا مكان لشركة فاضلة، والشركات عموماً لن تبحث عن تحقيق غايات اجتماعية ما لم ينعكس ذلك إيجاباً على مصالح المستثمرين، لذا فإن أفضل المسؤولية المجتمعية هي تلك التي تأتي في صورة تبرعات ضخمة ومشروعات وأحداث وفعاليات كبرى، لأنها تدعم المجتمع من جهة، وترتقي بالسمعة المؤسسية لصاحب العمل إلى أعلى المراتب، لينعم بعدها بأداء مالي أفضل وزيادة في المبيعات، ناهيك عن ظهوره المتميز بعيون الصحافة ووسائل الإعلام.

ولأولئك أقول، دعونا نضع جانباً مفهومي الإيثار والمصلحة الذاتية وما يرتبط بهما من نقاشات فلسفية حول أيهما يأتي أولاً، بل دعوني أؤكد لكم علمي وقناعتي التامة بأن المسؤولية المجتمعية والربحية كلتيهما اليوم أولويتان متنافستان، ولا يمكننا أن نتبنى إحداهما دون الأخرى، فمن دون ربح لن تكون هناك أموال، وبالتالي لا دور هنا ولا يد في المجتمع، ومن دون مسؤولية مجتمعية ستكون الأعمال مدفوعة بالربح فقط، وهي في هذه الحالة نفعية بحتة، ولن تخدم غرضاً أكبر.

بيد أن واقع الأمر يؤكد على أن المسؤولية المجتمعية بإمكانها أن تتخذ أشكالاً متعددة، ليست اقتصادية وبيئية وتنموية فحسب، بل يمكنها أن تكون أخلاقية واعتبارية ومُراعية بالمقام الأول، فإنما تلك أرزاق الناس نتحدث عنها هنا، ولا أرى مسؤولية أسمى من أن نحافظ عليها وندعمها ونرعاها، خصوصاً حين يكون ذلك محدود الأثر علينا، وقليل التداعيات، وإذا كانت المسؤولية في تلك الحالة خفية وغير ظاهرة أمام أعين الناس، فإنها في جوهرها فعل للخير، وفاعل الخير يُجزى، عاجلاً أم آجلاً، وجزاؤه بركة ونماء وازدهار في الأعمال، وهذا بالتحديد ما غاب عن صديقي العزيز وعن موظفه العبقري، لذا فليعذراني حين أقول لهما ختاماً: لماذا تعتدّان بما يبين وتتركان ما يخفى؟

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر