حقد

عبدالله القمزي

بعد أن أثبت جدارته في أحد أقسام شركة تصنيع تقنيات الاتصالات، أُعيدت هيكلة بعض الأقسام ونُقل إلى مكان آخر. في القسم الجديد طلبت منه رئيسة القسم إعداد تقرير. لم يفهم الرجل المطلوب منه لأن عمله لا يتعلق بإعداد التقارير، بل هو مهندس مختبر.

قالت له: لدينا ما يكفي من الموظفين في المختبر وأريدك أن تجلس في مكتبك وتعد تقارير. سألها: ما نوع التقارير؟ فقالت له: أي شيء تراه مناسباً!

سألها إن كانت تعرف خلفيته، فقالت إنها تعلم كل شيء عنه، ولكنها ترى أن الوظيفة المكتبية هي الأنسب لقدراته. ذهب المهندس إلى قسمه السابق وجاء بأدلة موثقة لسجل إنجازاته ووضعها أمامها على مكتبها، وقال: هذا ما أفعله، وليس كتابة تقارير «أراها مناسبة».

نظرت رئيسة قسمه إلى الأدلة، وقالت وهي تبدي له بوضوح مشاعر اللامبالاة: لست معنية بهذا، وإنجازاتك لا تعني شيئاً لي. نقلوك عندي وأريد منك إعداد تقارير من المكتب.

قال لها: نقلوني عندك لأن لديك مختبراً، ومكاني في المختبر.

قالت له: مكانك هناك.

وأشارت بإصبعها إلى مكتبه.

عاد الرجل إلى قسمه القديم وشكا الأمر لرئيسه السابق، الذي قال: أتمنى أن يعيدوك عندي، لكن القرار جاء من المدير العام تماشياً مع مصلحة العمل. والقصد من نقلك هناك العمل في مختبر قسمها، وليس المكتب. ولا أفهم لماذا تريد منك الجلوس في المكتب! نصيحة: ادخل على المدير العام واشرح له المشكلة.

كان المدير العام رجلاً طيباً للغاية وبشوشاً، استقبل المهندس استقبالاً حاراً كأنه يعرفه منذ 10 أعوام، وطلب منه الجلوس على الطاولة الجانبية المخصصة للقهوة والضيوف.

هناك تبادلا أحاديث ودية وأخذ المدير يذكر للمهندس الكثير من القصص من تجاربه الشخصية، ولا ينكر المهندس أبداً أنه مستمتع بهذه المحادثة الشيقة مع أعلى موظف في الشركة، لكنه تذكّر أنه جاء لغرض معين.

استغرب المهندس عندما وضع المدير العام رجله على طرف الطاولة واسترسل في حديث بدا أنه لن ينتهي.

كان قد مضى من الوقت نصف ساعة فقط منذ دخول المهندس مكتب المدير. تنهّد المهندس وحاول مقاطعة المدير بلطف حتى يتسنى له الدخول في الموضوع، ففوجئ بالمدير يقول له: ضع قدمك على الطاولة، كما أفعل أنا.. خذ راحتك.. ودعني أخبرك بموضوع قد يهمك كمهندس.

بعد انقضاء 50 دقيقة تمكن المهندس من طرح مشكلته أخيراً، فقال المدير: غريب ما تقوله. دعني أتحدث معها وأبلغك بالرد غداً. في اليوم التالي اتصل المدير بالمهندس، وقال له:

لقد تحدثت معها، وهي أخبرتني أنها ستنظر في موضوع عملك في مختبرها، لكن في الوقت الحالي هي بحاجة إلى موظف للتقارير.

اتصل المهندس برئيسه السابق وأبلغه بما حدث، فقال الثاني: لا أخفي عليك أن المدير العام واقع تحت تأثير هالة رئيستك ولن يفعل شيئاً.

عبرة

نحن البشر ننسى أن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى وحده، نحقد على بعضنا بعضاً ونخشى من ذكاء الآخرين، فنتصدى لهم ونعيق تقدمهم ونجعل حياتهم جحيماً لا يُطاق، ونثبط عزائمهم، فقط لأننا نخاف أن يأخذوا مكاننا يوماً ما.

إنه الحقد أو عقدة النقص وسوء الظن بخلق الله، وللحديث بقية.

abdulla_AlQemzi@

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر