الموضوعات الغائبة في الأدب العربي الحديث

د. كمال عبدالملك

في مقال سابق، ذكرت أنّه بالمقارنة بحجم الأدب الخيالي المتاح للقارئ الأميركي، وبالموضوعات التي تعالجها المنشورات الأميركية، نجد أنّ هناك موضوعات غائبة في ما ينشر في عالمنا العربي.

وغياب هذه الموضوعات في الكتابات العربية يستحق أن نتأمله وندقق فيه، فالموضوع الغائب ربما له دلالة أقوى بكثير من نظيره الحاضر.

الرواية البوليسية أو أدب الجريمة في الغرب لها تاريخ طويل، نذكر منها روايات الفرنسي أرسين لوبين، التي كنّا نستمتع بقراءتها ونحن صغار، وروايات البريطانية أجاثا كريستي، التي قدمت لنا شخصية المحقق هيركيول بوارو، والتي لاتزال تقرأ وتشاهد في شكل أفلام تعرضها منصة «نتفليكس» في الوقت الحاضر.

ولكن لابد أن نذكر أنّ النقّاد والأكاديميين يصنّفون الرواية البوليسية كأدب من الدرجة الثانية، وإن كانت تحتل المركز الأول جماهيرياً.

في ستينات القرن الماضي، كان صغار القراء في مصر يتابعون بشغف الروايات البوليسية، مثل سلسلة «المغامرون الخمسة» لمحمود سالم، و«رجل المستحيل» لنبيل فاروق، وكانت هذه من أكثر الأعمال رواجاً وقراءة، لكنها لم تكن لتحظى باعتراف النقاد، ولم تكن لتعتبر نداً لأعمال كبار الكُتاب، مثل نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وتوفيق الحكيم، الذين تناولوا الجريمة في أعمالهم، مثلما نجد في «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ و«يوميات نائب في الأرياف». فهل عندنا الآن كتّاب مشهورون تخصصوا في هذا النوع من الأعمال الروائية؟

لا نجد روايات موضوعها الألعاب الرياضية، مثل كرة القدم، ومحترفيها المشهورين، على الرغم من أن التنافس بين نوادي كرة القدم في الإمارات أو في مصر أو في سائر البلاد العربية معروف بإثارة مشاعر الجماهير، وقد استخدمه توفيق الحكيم في «بنك القلق»(1966)، بالتوازي مع الانقسامات السياسية.

بالنسبة إلى الفكاهة، نلاحظ غياب الرواية العربية التي تقتصر وظيفتها على اللعب والتسلية اللطيفة والمتعة المؤقتة.

نعم، في وقت مبكر، أسس نجيب الريحاني (1891-1949) الصلة الاجتماعية القوية بين الفكاهة ونقد العادات في المجتمع المصري بمختلف طبقاته، وقد تبعه ساخرون جريئون، مثلما نجد في مسرحية «كوميديا أوديب» (1970) للكاتب علي سالم (1936- 2015). حيث يحاول الملك عبثاً إقناع الجماهير المتعطشة للأبطال بأنه لم يقتل وحشاً، أو في «المخططين» ليوسف إدريس، حيث يقرر زعيم ثوري ناجح أنّ على الجميع ارتداء ملابس مخططة بالأبيض والأسود فقط، وفي النهاية توصل إلى استنتاج، مفاده أن الناس يحتاجون إلى اللون في حياتهم، لكنّ مساعديه المباشرين شكّلوا مؤسسة جديدة تمقت التغيير، وعندما حاول إعلان القرارات الجديد، أغرقوا صوته بتسجيل خطاب سابق له.

لا شك إذاً في وجود القصص القصيرة والروايات التي تحتوي على ثيمات فكاهية، لكن الروايات المبنية بالكامل حول فكرة فكاهية مسلية قليلة. من المحتمل وجود استثناء مبكر في قصة لإبراهيم عبدالقادر المازني «عود على بدء» (1943)، التي نقرأ فيها عن رجل يحلم بأنه أصبح طفلاً، مع احتفاظه بتصورات شخص بالغ، ومع ذلك، وباستثناء بعض كتابات المازني، وعلي سالم، لم يثبت أي روائي عربي نفسه بشكل أساسي ككاتب فكاهي، مثل أرت بوكوالد Art Buchwald أو بي. جي. ودهاوس P.G Wodehouse في العالم العربي.

فهل سنرى في المستقبل القريب كتباً عربية تعالج هذه الموضوعات الغائبة؟

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر