جهّزوا أبناءكم

محمد سالم آل علي

مع بداية الثورة الصناعية الرابعة شرعت العديد من الشركات في إعادة توجيه بوصلتها الاستراتيجية، وبدأت بالتوسع في إدماج الآلات والخوارزميات بوصفها عناصرَ رئيسة في عملية الإنتاج وتقديم الخدمات؛ وفي الواقع أراها محقة تماماً في ذلك، فما رأيكم بموظف لا يكلّ ولا يتعب، ولا ينام ولا يمرض، ولا يتغيب أو يحتاج إلى إجازات أو فترات للراحة، ولا تشغله الأحاديث الجانبية هنا وهناك، ولا يُعادي هذا ويتملق ذاك، ولا تتأرجح لديه مستويات الأداء، ولا يعوزه السلوك أو تنقصه المهارات، ويعمل على مدار الساعة غير آبه لا بالأجور ولا بالضغوط ولا حتى بشروط العمل؟

طبعاً موظف كهذا يمثل خطراً داهماً بالنسبة لسوق الوظائف العالمية، وقد يكون مُنذراً بالبطالة والعطالة؛ والبرهان على ذلك جاء من خلال تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2020، حيث أشار إلى أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي وما يرتبط به من تقنيات سيسهم إلى حد كبير في تغيير الدور الاقتصادي للبشر، وسيدفعهم إلى أن يُقاسموا الآلات وظائفهم بالتساوي مع حلول العام 2025.

واللافت أن التقرير ذاته ذكر أن الأتمتة ستؤدي إلى زوال 85 مليون وظيفة من الوظائف الحالية، لكنها في الوقت نفسه ستخلق 97 مليون وظيفة جديدة ستدخل السوق؛ وهي مسألة دفعتني للتمعّن بها قليلاً لأجد أن التغيير الفعلي لن يكون بأعداد الوظائف الجديدة أو بتلك الملغاة، وإنما بنوعية تلك الوظائف وطبيعة المهارات التي تتطلبها، وتوصلت بالنتيجة إلى أنهم وحدهم أصحاب المهارات المستقبلية المطلوبة هم من سيحصلون على أفضل الشروط وأعلى المكافآت.

وأتساءل هنا عمّا يحتاجه أولادنا لتأمين لقمة عيشهم في المستقبل، والإجابة بسيطة وبديهية، نعم إنهم بحاجة إلى بذل كل الجهود في سبيل التحضير والتجهيز، وإلى تحمل المزيد من المسؤولية في ما يخص تطورهم المهني، وذلك من خلال إكمال المراحل الدراسية، ومن ثم العمل على اكتساب الجديد من المهارات وتطوير ما يمتلكونه منها وصقلها وتحسينها؛ وعليهم أيضاً أن يمتازوا بالمرونة وحُسن التخطيط، وأن يدركوا أن مبادئَ كالتدريب المستمر والتعلم مدى الحياة لابد من أن تكون جزءاً طبيعياً من مسار حياتهم، وهي سبيلهم الوحيد نحو تطوير قدراتهم المعرفية في مجالات الابتكار والتحليل والتفكير النقدي وحل المشكلات.

ولا يخفى على أحد أن أفضل استثمار يقوم به أبناؤنا به هو استثمارهم بالمهارات الرقمية، لأن موظفي الغد جُلّهم من متخصصي الذكاء الاصطناعي ومطوري البرامج ومحللي البيانات ومهندسي الأمن السيبراني والمتخصصين الرقميين الآخرين؛ كما أن اختياراتهم الأكاديمية يجب أن تكون في المضامير التي مازالت بيد الإنسان ولا يُتوقع أن يفقدها قريباً، كالطب والرعاية الصحية، وعلوم البيئة والزراعة، والهندسة والطاقة والفضاء.

لا شك بأن الإنسان سيبقى اللاعب الأهم مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، وهذا ما حرصت عليه القيادة الرشيدة من خلال نظرتها المستقبلية التي ارتحلت إلى الغد وجالت بكل أركانه لتأتينا بكل الحلول والإجابات؛ فأبناء الإمارات في مسيرة مستمرة من التأهيل والإعداد، وهم يدرسون بأفضل الجامعات داخل الدولة وخارجها، وخبراتهم عُززت بكل ما يلزم من براعة ومهارات، وأيضاً بما يتناسب مع وظائف المستقبل وتحدياته؛ ومسيرتهم للتميز والتمكين تُرجمت فعلاً من خلال النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة في شتى الساحات والميادين، تلك النهضة التي برهنت على أن الإبداع الإماراتي كان ومازال وسيبقى أبداً مفتاحاً صالحاً لكل أبواب المستقبل.

الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي سيسهم في تغيير الدور الاقتصادي للبشر. 

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر