مقال

نظرات في ما لم يكتبه الأدباء العرب

د. كمال عبدالملك

كل يوم أحد، أجلس على مقعدي المريح في سكني القريب من جامعة هارفارد التي أقوم بأبحاث فيها؛ أشرب فنجاناً من القهوة الأميركية المفلترة، وأتصفح الملحق الأدبي لجريدة نيويورك تايمز، وأندهش للنطاق المذهل للأدب الخيالي المتاح للقارئ الأميركي.

كم هائل من الكتب عن موضوعات شتى، روايات وقصص قصيرة تتفاوت من الجدية والقتامة إلى روح الدعابة والعبث الصريح: الضفادع آكلة اللحوم، الفنون والحرف اليدوية في فنلندا في القرن التاسع عشر؛ التوترات في عائلة ثرية يسهل التعرف إليها عندما يموت رب العائلة؛ مهنة لاعب الغولف والاحتفاء بشهرته؛ مصاصة دماء تبدأ خطتها للسلام العالمي بقتل البشر الذكور؛ اكتشاف مجرة تقضي على مفهوم الأضداد بين الشيء القريب والشيء البعيد؛ العداء بين جيلين من المهاجرين الصينيين؛ مغامرات الهاربين الروس إلى الغرب؛ اليهود تحت محاكم التفتيش الإسبانية؛ المشكلات التي يواجهها الأفراد عند اتباع نظام غذائي معين؛ النساء اللطيفات الفقيرات في الجنوب الأميركي يتزوجن من مزارعين مستأجرين من المكسيك. كل هذا بالإضافة إلى المحصول المتوقع من قصص الحب، وأفلام الإثارة البوليسية والتجسسية، وروايات الوحوش المفترسة والحشرات العملاقة وهاري بوتر وروايات الخيال العلمي.. هذه الثروة الأدبية تنتمي إلى بلد كثيف السكان مع مستوى عالٍ جداً من معرفة القراءة والكتابة، حيث يتم نشر أكثر من 50 ألف كتاب ومئات المجلات كل عام.

وبالمقارنة بالموضوعات التي تعالجها هذه الكتب الأميركية، نجد أنّ هناك موضوعات غائبة في ما يُنشر في عالمنا العربي، مثل: (رحلتي من الفقر المدقع الى الغنى)؛ (روايات بوليسية تبحث عن القاتل)، «How to..?» وهي كتب إرشادية تقدم النصـــائح لكـيفية تصـــميم وصـــناعة الأشـياء بنفــسك مثلاً: How to make a bookshelf?” (كيف تصنع رفاً للكتب) أو «How to start a garden?» (البستنة للمبتدئين)؛ وكذلك مايسمى «entertainment literature» أدب الترفيه، مثل روايات هارلكوين الرومانسية وكتابات الصحافي الساخر أرت بوكوالد.

وغياب هذه الموضوعات في الكتابات العربية يستحق أن نتأمله وندقق فيه، فالموضوع الغائب ربما له دلالة أقوى بكثير من نظيره الحاضر. نقرأ روايات أميركية تقدم شخصيات غير أميركية وتقع أحداثها في بلاد أجنبية، مثل رواية The Good Earth «الأرض الطيبة» للأميركية بيرل بك، وهي رواية تقع أحداثها في الصين وأبطالها من الصينيين. بالمقارنة نجد أنّ الأدب العربي الحديث يدور كله تقريباً، مع استثناء بسيط، حول العرب، هناك، بالطبع، أعمال لا حصر لها تظهر فيها شخصيات أجنبية أو عاصمة أجنبية، لندن، باريس، نيويورك، وأخيراً شيكاغو من أبكرها وأشهرها «عصفور من الشرق» (1938) لتوفيق الحكيم، والتي في الواقع تدور أحداثها حول تجاربه الخاصة كطالب قانون في باريس. وهناك رواية واحدة فقط ذات جودة لا تتعلق بشخصيات عربية أو بالحياة العربية، وهي رواية طه حسين «الحب الضائع» (1942)، وهي قصة حب تعيسة تحدث في فرنسا، وتتعلق بشخصيات فرنسية فقط.

لكن ما يسترعي الانتباه هو غياب الروايات والمسرحيات العربية التي تقدم بعمق شخصيات غير عربية من بلاد أجنبية تربطها بالعرب المحدثين علاقات تراوح بين الصداقة والتحالف والعداوة والمسالمة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.

باحث زائر في جامعة هارفارد 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر