5 دقائق

مستشار لكن لا يُستشار

محمد سالم آل علي

كثيراً ما نسمع عن شركة استعانت بأحد الاستشاريين لتعزيز الأعمال ولملمة الصفوف، وهذا بطبيعة الحال أمر مفيد لأنك مهما كنت ناجحاً ورائداً للأعمال فإنك لن تستطيع استكشاف جميع المشكلات وإصلاحها بالتوقيت المناسب، كما أنك ومهما كنت ضليعاً فلن تكون قادراً على استطلاع كل الاحتمالات والمسارات، ولابد لك دوماً من بعض النصائح الخارجية التي تسدّ الثغرات وتساعدك على اتخاذ القرار السليم.

نعم إنهم رُفقاؤك المستشارون، فهم أصحاب الخبرة ممن يفكرون خارج الصندوق، وهم من يأتونك بخلاصة التجارب التي صقلتها السنين وشذّبتها الأفكار، ثم يلقون بها على طاولتك مُفسحين المجال أمامك لزيادة الإنتاجية وعائدات الاستثمار، وهم أيضاً المحايدون والموضوعيون من أهل الفطنة ممن يضعون الاستراتيجيات ويرسمون الخطط، ثم يُودِعونك آمناً في المسار الصحيح ويجنبونك الوقوع في شرك المشكلات وقساوة التحديات.

لعل ما ذُكر أعلاه هو في منتهى الصحة ومن عين الصواب، لكنه في الحقيقة متوقف على شرط واحد وهو سلامة الاختيار، فإن تحقق فقد ظفرت بمبتغاك، وإن لم فعليك إذاً أن تستعد للخسائر وانحسار الأرباح، فالضعف الأكبر يكمن دوماً في أعتى جوانب القوة، وما قد تظنه الميزة الأفضل للمستشار، قد يكون فعلاً ما سيجرّ عليك التداعيات، وهذا هو بالتأكيد الحال السائد في جميع جوانب الحياة، فالطبيب الجيّد ينقذ الحياة ويعالج الأمراض، بينما يعمل الطبيب غير المتمكن على إطالة أمد معاناة المريض، أو يرتكب أخطاءً تؤدي إلى الوفاة.

نعود للمستشار، ولنبدأ بالريبة وعدم اليقين، أي أن المستشارين لا يأتون بضمانات، وهناك دائماً احتمال ألا تتحقق النتائج التي يعدون بها مهما كانت تكاليفهم، وعليك هنا أن تقوم بفحص مرجعي شامل لأعمالهم قبل التعاقد معهم، وأن تحدّد أجورهم بما يتناسب مع حجم المشروع، وهكذا تتجنّب المخاطر المالية حتى ولو لم يأتوك بالمأمول، واعلم أيضاً أن كثرة التنظير هي من عيوب المستشار، واحذر من واحد يقدم لك عروضاً تقديمية رائعة تطوي في شرائحها أرقاماً وردية دون أن يبدي أي حلول عملية قابلة للتنفيذ، وعليك هنا ألا تصمت أبداً وأن تباشر فوراً بالسؤال والاستفسار، وصحيح أيضاً أنهم يجلبون معهم قدراً هائلاً من المعرفة والخبرة ووافر الاطلاع، فهناك خطر دائم من أن يأخذوا كل ذلك معهم عندما يغادرون، وعليك هنا التأكد من نقل المعرفة بكاملها إلى مؤسستك، وأن يكون المستشارون هم من يشاركون مباشرة في عملية الاستلام والتسليم.

إن الكل يعلم بأن المقصد الأهم من وراء تعيين المستشارين هو الإتيان بحلول مفصّلة ومصممة بدقة تتواءم مع خصوصية الشركة أو المؤسسة، إلا أن البعض منهم - وللأسف - يتعامل مع ذلك بعقلية عنوانها السُبات والجمود، أي يأتيك بعد انتظار بمقاس واحد ظناً منه بأنه يناسب الجميع، وبدلاً من اعتماد طرق وأدوات مبتكرة، يقوم باستخدام وصفات جاهزة نجحت معه في إحدى الشركات، ثم يعمد إلى تطبيقها مراراً وتكراراً مهما تباينت المقاييس واختلفت الاستراتيجيات.

وفي رحلة بحثك عن مستشار، لابد وأن يصادفك أيضاً المستشار العارف بكل شيء، وهو الذي يدّعي امتلاك كل الإمكانات وسائر القدرات، وقد تدفعك ثقته العالية إلى تكليفه باتخاذ القرارات وتنفيذ المهام، دون أن تعلم أنه يسترشد بالجميع من وراء الأستار، وقد يستعين بأشخاص غير مؤهلين على الإطلاق، لذا فمن الأسلم لك أن يكون وجوده فقط للنصح والاستئناس، ولابد في النهاية من أن تكون أنت وحدك صاحب العزم مُمتلك القرار.

«الضعف الأكبر يكمن دوماً في أعتى جوانب القوة، وما قد تظنه الميزة الأفضل للمستشار، قد يكون فعلاً ما سيجرّ عليك التداعيات».

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر