5 دقائق

عندما يتحقق المستحيل (2)

عبدالله القمزي

قلنا في المقال السابق إن الإنسان يستطيع كسر المستحيل لو غيّر شخص مفاهيمه تجاه شخص آخر أو مسألة أو حتى مفهومه تجاه نفسه.

في مصنع مواد غذائية بإحدى الدول الغربية، كان مدير إدارة التعليب والتعبئة يعمل سابقاً في إدارة التموين بالجيش. كان هذا المدير جامد التفكير، ومنطقه أوامر أشبه بالأوامر العسكرية. وكان هناك موظف تحت إمرته، يعمل في قسم الإشراف على التعبئة والجرد.

كانت هناك خطة للتوسع، وينتقل المعنيون في الإدارة لمعاينة الموقع، وكان الموظف العامل في التعبئة والإشراف موهوباً في النجارة والبناء والتمديدات الكهربائية بشكل عام. عندما اقترح الموظف على مديره العسكري السابق بعض الأفكار لتسهيل عملية الانتقال إلى الموقع الجديد، أمر الأخير الأول بالصمت، وعدم التدخل في ما لا يعنيه.

وقّع المصنع عقداً مع شركة بناء المقر الجديد، وبدأ العمل. في إحدى مراحل البناء كان على المعنيين في المصنع الانتقال إلى الموقع الجديد للاشراف على تفاصيل مهمة بشكل يومي، وكانت المسافة بين الموقعين تتجاوز 150 كيلومتراً، وعليه كان يجب ترتيب وضع انتقال مؤقت لبعض الموظفين إلى موقع قريب من مقر المصنع الجديد.

حاول الموظف توصيل رسالة إلى الإدارة بأن بمقدوره المساعدة، لكن عندما وصل الأمر إلى مسامع مديره، قال له: «أنت لا تصلح لشيء سوى عملك، فابق مكانك، ولا تتدخل في ما لا يعنيك، لا أريد تصديق هراء أفكار أنك قادر على فعل أمر يتجاوز مهمتك الحالية».

أخذ الموظف إجازة، وفي يوم ما لحق بالمديرين إلى الموقع الجديد، وهناك قال لمدير الشركة: «أنا في إجازة، ولا حق لديكم لتعترضوا على عدم وجودي في عملي».

أنتم تأتون إلى هنا بشكل يومي، دعوني أشيّد لكم مكاتب صغيرة هنا أمام الموقع الجديد لتتابعوا عملكم من هنا بدل قيادة السيارة كل هذه المسافة، بعدها يمكنكم الانتقال إلى فندق في المدينة المجاورة (15 كيلومتراً)، والانتقال منه إلى المكاتب المؤقتة.

ضحك مدير الشركة من طموح الموظف، وقال: فكرة جميلة فلنر ما تستطيع عمله.

في غضون 20 يوماً تمكن الموظف من بناء مكاتب خشبية مجهزة بتوصيلات كهربائية، ونقل أجهزة الكمبيوتر من مكاتبهم إلى المكاتب المؤقتة.

ذهل مدير الشركة من طريقة تفكير الموظف، وسأله: أين كنت طوال هذا الوقت؟ فشرح له الموظف أنه لم يحصل على فرصة لإثبات قدراته، وأن مديره يجبره على عمل روتيني لا مجال للإبداع فيه.

عبرة

عندما غيّر مدير الشركة مفهومه تجاه قدرات موظف، وسمح له بتفجير طاقاته الإبداعية، رأى شخصاً مختلفاً تماماً، يكاد لا يعرفه. وهكذا كسر مستحيلاً، والشيء نفسه بالنسبة للشخص الذي يغيّر نظرته إلى نفسه، ويعقد العزم على فعل شيء، فإنه يفعله ولو كان مصاباً بعاهة جسدية، بالضبط كما يحدث مع الأشخاص الذين يمارسون الجري بأطراف صناعية. وهكذا حدث المستحيل.

• الإنسان يستطيع كسر المستحيل لو غيّر شخص مفاهيمه تجاه شخص آخر.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر