مساحة ود

عمّتنا النخلة

أمل المنشاوي

نجدها في ابتسامات القُبل الحانية على الخدود والحضن الممتلئ حباً وعطفاً منذ الصغر، وفي حكايات المساء وفضفضة مشاعر وأحاسيس الصبا المطمئنة لكاتمة الأسرار.

تعلق في أرواحنا رائحة عطرها وملمس ملابسها الناعمة وكبريائها واعتدادها بنفسها واحترامها للجميع.

نتذكرها مع تكبيرات العيد ورنين الهاتف وزيارات العطلات المفاجئة حين تأتي محملة بالخير.

نلوذ بحكمتها مع كل مشكلة ونأنس لنصحها الهادئ وحرصها على لمّ الشمل ووصل الود واستيعاب الخلافات.

نحتفظ بذكريات هداياها وعطاياها في الذاكرة القريبة والغالية على نفوسنا، ونمتن لذلك الإيثار الجميل حين يعجبنا شيء من أشيائها فتبادر بمنحه لنا في حنو وحدب خالص.

تسكننا الأماكن التي جمعتنا بها ونتعجب كم وسعنا وأسعدنا الصيف والبحر والمناسبات ونحن نتكئ على حضورها وكرمها.

تعلمنا الكثير في مجلسها، قرآناً وأحاديثاً وأدعيةً وحكماً وعبراً وقصصاً مشوقة وضحكات لا تنتهي؛ حين نتشارك الحديث عن حب طعام بعينه فتبادر بصنعه.

يعرفنا الناس بتشابه ملامحنا بها وإن جهلوا أسماءنا، ويمتدحون فينا أصلها وخُلقها، ويشدون على أيادينا السلام تحية لها.

كلامها طيب ونصيحتها ذهب، حلوة اللسان، فلا كلام جارح ولا موقف سيئ أو تعامل منفر.

تماماً كنخلة باسقة تمطر من حولها عطاءً بلا مَنٍّ أو تفضل، شامخة وأبية وعزيزة النفس وراسخة الجذور، هكذا العمة في حياة كل منا، امتداد لحب الأب وعطفه، وعزوة عزيزة على النفوس، وبيت كبير يسع الجميع.

عمتنا النخلة، دعوات وأمنيات من القلب، وسؤال دائم لا ينقطع مهما بعدت المسافات، واستقبال حميم مهما تكررت الزيارات.

عمتنا، صاحبة المقام والقيمة التي تكبر فينا كلما كبرنا واختبرنا الحياة، وعرفنا قدر الأهل والعائلة وأهميتها في حياتنا وحياة أبنائنا، تظل نوراً يضيء عتمة الروح وصلة رحم تزيد العمر بركة ودعوات تشق طريقها للسماء.

العمة، تحصد مع مرور الوقت وفي كبرها كل ما زرعته يداها في صغار أخوتها، إن حباً فحب وإن جفاءً فمثله، لذا لا عجب أن نرى عوائل متماسكة وقوية ولديها من الروابط والمحبة ما تتوارثه الأجيال وتعيش به سنوات وأخرى للأسف بها من القطيعة والتباعد ما بها.

فإلى كل عمّة، كوني سحائب غيث لأخوتك وأبنائهم، وانبذي كل خلاف وشقاق، وأفسحي مساحات حب وتفاهم وود خالص، لتصبحي مع الأيام نخلة شامخة في حياتهم، ولتظلي دوماً في قلب كل منهم «عمتنا النخلة».

• العمّة تحصد مع مرور الوقت كل ما زرعته يداها في صغار أخوتها.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر