5 دقائق

نُشوزُ الزوجين

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عُنِيت الشريعة الإسلامية باستقرار الحياة الزوجية عنايةً كبيرة؛ حثاً على العشرة بالمعروف، وأمراً بإعطاء الحقوق المتبادلة، وحضاً على الإحسان المتبادل، وإشادةً بالقوامة، وتوصية بالنساء.. إلى غير ذلك مما يحقق الاستقرار الأُسَري الذي بُني أساساً على مبدأ المودَّة والرحمة.

غير أن العشرة الزوجية إذا تعثرت، وهي المرحلة التي سماها الشارع الحكيم «نشوزاً» أي ترفعاً وتكبراً، وإعراضاً وميلاً وانحرافاً عن الحق كما قال أهل التأويل، فهذه المرحلة خَطِرة جداً، فقد تكون سبباً للفراق؛ لذلك احتاجت أسلوباً آخرَ من المعالجة ابتداءً بالوعظ كما قال سبحانه: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} أي إذا كان النشوز من الزوج؛ فإن على المرأة أن تسعى للصلح حتى تعود الحياة الزوجية إلى الود والرحمة؛ لأن الصلح خير، أي عاقبته خير، فقد يُبصر الزوج خطأه في النشوز فيعود إلى الود والمحبة.

وإن كان النشوز من الزوجة، جعل له الشارع الحكيم أسلوباً آخر يتناسب مع وضع المرأة، التي غالباً ما يكون نشوزها تأثراً بالنميمة والإفساد، فقال جلّ ذكره: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} فرتب الشارع لإصلاحها وإزالة نشوزها ثلاث وسائل؛ وهي الوعظ أي الترغيب بما أعده الله تعالى للزوجات الصالحات القانتات من الأجر، والترهيب بما أعده الله تعالى للناشزات من عظيم الوزر والعقاب، فإن لم ينفع الوعظ بأن كان قلبها قاسياً لم تعد تؤثر فيه المواعظ، فأسلوب آخر لعله يحقق الغرض، وهو الهجر، أي الإعراض عن الزوجة في مضجعها أي فراش نومها بأن يولِّها ظهره، أو يعتزل فراشها، أو ما يراه مناسباً لحالها، فإن ذلك قد يدعوها للتفكير بالعودة للرشاد، وترك النشوز إن كانت لها رغبة في الحياة الزوجية، فإن لم تكن لها رغبة، فستستمر في نشوزها، وعندئذٍ يمكن للزوج أن ينتقل إلى المرحلة التي قد تناسب بعض الزوجات اللاتي لا ينفعهن الوعظ، ولم يؤثر فيهن الهجر، وهو الضرب غير المبرح، أي ضرب تأديب لا ضرب تشفٍ، بمعنى أن يُريها قوامته، وسلطته الزوجية، فلعل الرهبة تفيد كما قيل: «رهبوت خير من رحموت» أي رهبة خير من رحمة، وكما يقول المثل: «آخر العلاج الكي» أو كما قال أبوتمام:

فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً .. فليقسُ أحياناً على من يرحمُ

وهذه المرحلة وإن لم تكن محبَّذة للشارع كما ورد «لن يضرب خيارُكم» يعني أن خيار الناس يتجنبون الضرب اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي لم يضرب امرأة ولا خادماً، فإن استطاع أن يكون كذلك فهو الأفضل له، والأكمل في رجولته، غير أن بعض الناس قد يُستفز بما يُنسيه رجولته وفضله فلعله يصل إلى هذه المرحلة غير المحبَّذة شرعاً، ويجرمها القانون، إلا أن هذه المرحلة هي الفاصلة التي قد تكون نافعة أو منفرة، فلم يبق بعدها إلا البحث عن وسيلة أخرى خارج إطار الزوجية وهي مرحلة التحكيم التي ندب الله إليها بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} فهذان الحَكَمان العاقلان العدلان لهما النظر الصائب في السعي للإصلاح إن أمكن ذلك حفاظاً على تلك المملكة المصغرة، فإن لم يمكنهما ذلك فلا سبيل إلا التفريق الذي قد يكون علاج المضطر.

ولعل الله أن يغني بعد ذلك كلاً من سعته، فالرجال كثير والنساء أكثر.

وعند الوصول إلى هذه المرحلة فإن الشارع نهى أن تكون هذه الحال سبباً للتنكر للمعروف، بل نهى عن الجفاء أو التمادي بالخصومة، فقال: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فلعل العشرة السابقة قد يكون ترتب عليها بناءٌ أُسَري، فيجب أن لا يتهدم هذا البناء بقطع الأواصر، هذا هو هدي الإسلام الذي يجب أن يراعيه المسلمون.

وبالله التوفيق.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر