5 دقائق

التعقيد

عبدالله القمزي

يميل البشر إلى التعقيد لأن عقولهم مدربة على تجاهل البساطة، ظناً بأنها - أي البساطة - ليست حلاً، فإذا تغيّب موظف معروف بتأخيره عن عمله لأنه مريض، فإن رئيسه سيضرب أخماساً في أسداس ويتصور سيناريوهات معقدة ويتخيل حججاً لتغيب الموظف، لكنه لن يتصور أن الموظف مريض.

وسألت صديقاً: لو حبسوك في غرفة بابها مغلق ومعك معول فكيف ستخرج؟ فقال: أستخدم المعول لكسر الأرض وحفر نفق. فقلت له: لكنك لم تتأكد إن كان الباب مقفلاً أم أنه مغلق فقط.

حتى نفهم ما هو التعقيد علينا فهم مصطلحين آخرين مرتبطين به: البساطة والفوضى.

التعقيد هو الشيء عسير الفهم أو العمل، والبساطة هي أي شيء سهل الفهم والعمل.

أما الفوضى فهي الشيء المحير، الذي لا نظام واضحاً له.

النظام المعقد يمكن أن تفهمه فقط لو نظرت إلى صورته الشاملة، ولكنك لن تفهمه لو نظرت إلى الأجزاء المكونة له. مثل الإنسان، فأنت تعرف أن هذا رجل وهذه امرأة، لكن لو نظرت إلى شكل الخلايا التي يتكون منها هذا المخلوق فلن تفهم شيئاً.

عندما ننظر إلى المشكلات، فنحن ننحاز إلى التعقيد، مثلاً تجد رجلاً يشكو ارتفاع فاتورة الهاتف أو الكهرباء، لكنه يتجاهل المبالغ غير المبررة التي يدفعها لتعليم أبنائه.

خبراء التسويق يستخدمون التعقيد ليضخموا لك المنتج وتشتريه، فبائع الهاتف الذكي المدرب سيتعمد ذكر مزايا المنتج بلغة معقدة حتى تظن أنه لا مثيل له، وستغيب عن ذهنك فكرة أن ما ستشتريه هاتف ذكي عادي، يستخدمه الشخص الواقف بجانبك في المحل.

أو لو مررت أمام كشك عطور، وسألت البائع عن الرائحة الزكية، فسيذكر لك المكونات وكيف يجري خلطها حتى يبرر لك السعر المرتفع لمنتج قد تملّ رائحته بعد أسبوع من الاستخدام.

وسيخفي عنك تفاصيل مهمة، مثل: هل تبقى الرائحة فترة طويلة على الملابس؟

مثال آخر ممتاز لاستخدام التعقيد في النظر إلى مسألة بسيطة في القصة التالية: دخل متسوق إلى سوق مأكولات به كثير من الحيوانات المذبوحة ودماؤها تسيل على الأرض ورائحة نتنة تملأ الهواء. وكانت البائعة التي تذبح الحيوانات ويدها ملطخة بدمائها مصابة بفيروس حيواني غير اعتيادي، ونقلت المرض إلى المتسوق.

انتشر المرض في كل أصقاع الأرض، ورفض الناس تصديق أن بائعة نقلت المرض إلى المتسوق، وحولته إلى «نظرية مؤامرة» عن حكومة سرية تدير العالم وتريد استعباد البشر.

وتحوّل مؤسس شركة برمجيات إلى شيطان لمجرد أنه استثمر في شركة طبية.. هل تتذكرون جزئية البائعة والمتسوّق؟!

موقف

منذ عقد ونصف العقد دخلت على طبيب عربي، وقلت له إني أعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة، وهذه ثالث مرة أصاب بالحمى في ستة أشهر، وأريد فحص دمي للتأكد إن كان بي نقص حديد.

سألني أسئلة تتعلق بروتيني اليومي، ثم فحصني سريعاً، وقال اذهب إلى منزلك وخذ قسطاً من الراحة.

قلت له: افحصني أولاً، أنا مصاب بالحُمى لثالث مرة هذا العام.

فقال: لست بحاجة إلى فحص، يا أخي لا تعقد الأمور وهي بسيطة. أنت رجل كثير السهر ولا تنام كفاية، وهذا سبب الحُمى والإرهاق.

«النظام المعقد يمكن أن تفهمه فقط لو نظرت إلى صورته الشاملة، ولكنك لن تفهمه لو نظرت إلى الأجزاء المكونة له».

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر