شرق.. غرب

نظرات في البَيْن بَيْنَ

د. كمال عبدالملك

هل سبق لك أن سألت نفسك أين أنت إذا وقفت على عتبة بيتك؟ هل أنت داخل منزلك أم خارجه؟ هل العتبة جزء منه أم من الشارع؟ وإذا وقفت في الشرفة، هل تعتبر نفسك داخل بيتك أم في الشارع؟ هل سبق لك أن مكثت وحيداً طوال الليل في مطار أجنبي؟ أو شعرت بعدم الارتياح في نزهة طويلة عبر موقف سيارات خال من الناس والحركة؟ وبعد الانفصال عمن تحب أو عند التغيير الوظيفي أو الانتقال من مدينة إلى أخرى، هل سبق لك أن شعرت بعدم الاستقرار أو عدم اليقين؟ تُعرف هذه التجربة الجسدية والنفسية بالحدود البينية، أي صفة الصيرورة - المسافة بين ما كان وما سيأتي. غالباً ما ترتبط الصيرورة بطقوس العبور في حياتنا والتحولات الشخصية والبنية الاجتماعية والسلوك ويظهر ذلك في انتقالنا مثلاً من مرحلة الطفولة إلى البلوغ والمراهقة، من العزوبية إلى الزواج، من الحياة الوظيفية إلى التقاعد.

وأنت تمر عبر المساحات الانتقالية طوال الوقت في كل مرة تمشي فيها من منزلك إلى منزل جارك، أو عندما تقود سيارتك من مدينة إلى أخرى، أو تأخذ رحلة، أو تنقل بقالتك ببساطة من المتجر إلى سيارتك. نحن كبشر نميل إلى أن نكون موجهين نحو هدف في حركاتنا وأفعالنا. نترك مكاناً لنصل إلى آخر؛ هاتان النقطتان في الزمان والمكان لهما الأسبقية على الرحلة التي تقع بينهما. ولربما كانت الرحلة أكثر أهمية من الوجهة التي نختار أن نسافر إليها.

في إحدي زياراتي من الإمارات إلى مصر، عدت إلى قريتي وزرت «مدرسة المعداوي»، مدرستي الابتدائية، في أثناء عطلة مدرسية، لم أكن مرتاحاً، الغياب المخيف للطلبة والمدرسين خلق عندي شعوراً سريالياً، وذكّرني بمشاعر مماثلة من عدم الارتياح والغرابة عندما كنت أجدني أثناء أسفاري في كندا والولايات المتحدة أنزل في محطات الحافلات في وقت متأخر من الليل أو محطات القطار المهجورة في بلدات لا يتعدى سكانها مئات عدة، أو المعارض الفنية الفارغة من الناس أو القاعات غير المستخدمة في جامعات خاصة.

وقد يظهر شعورنا بعدم الارتياح أو الغرابة عند الانتقال من السلك الوظيفي إلى التقاعد، فكثيرون من الناس يربطون بين مكانتهم في العالم واستقرارهم وبين عملهم. إذا فقدت وظيفتك، أو إذا قررت إجراء تحول وظيفي إلى شيء جديد، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار ركيزة أساسية من ركائز الثقة واليقين في الحياة.

والفترة الزمنية التي تتم فيها خطبة الزوجين هي فترة انتقالية قد تكون مقلقة. ففيها نرى أنّ الرومانسية قد اجتازت مرحلة المواعيد والتعارف، لكن الزواج لايزال بعيداً، غالباً قبل أشهر أو سنوات من الزفاف. أنت في هذه الحالة على عتبة الانتقال، كأنّك في غرفة الانتظار للولوج من عالم اللقاءات الوردية إلى عالم الارتباط والزواج.

قد تكون هذه الفترة مرهقة نفسياً. أخبرني صديقي أنه كتب لامرأة يحبها ويرغب في الزواج منها أنه يبحث عن اليقين ولا يطيق الانتظار والإبهام فأرسلت له هذه النصيحة: «ثق بجدوى الانتظار، عليك أن تحتضن عدم اليقين، أن تستمتع بجمال رؤية الأشياء وهي تتحوّل وتتشكّل أمام ناظريك، عندها ستدرك، وأنت تبتسم، أنه عندما لا يكون هناك شيء مؤكد في هذه الحياة، يصير كل شيء محتملاً إن لم يكن ممكناً..».

باحث زائر في جامعة هارفارد 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر