شرق.. غرب

هل الآباء أمة واحدة

د. كمال عبدالملك

إذا كنت أباً وتحدثت مع طفلك الرضيع، فمن المحتمل أنك رفعت نبرة صوتك أو أصدرت أصواتاً كأنك تغنّي أو أصواتاً غريبة لا معنى لها.. أنت لست وحدك.

دعاني صديقي المصري، والد «زين» المولود حديثاً، لزيارته هو وعائلته في شقتهم بالقرب من أهرامات الجيزة. ما إن جلست على كرسي مريح بذراعين في غرفة الضيوف حتى أهلّ علينا فرحاً وهو يحمل رضيعه. صديقي الذي يبلغ طوله أكثر من ستة أقدام رجل ذو مظهر جاد، وله صوت جهوري عندما يناقشني في قضايا الساعة، لم أتوقع أن أراه يتجه إلى طفله ويتحوّل فجأة إلى كائن غنائي يُصدر أصواتاً تمثل كل أصوات السلّم الموسيقي، وأخرى غريبة خليط من زقزقة العصافير ومواء القطط، وتعقبها كلمات سقطت منها كل أدوات الربط في العربية وغاب عنها أي تسلسل متوقع في كلام البشر. قام بكل هذا، بعد دقيقة من «الهشتكة» لجذب انتباه الرضيع وجعله يبتسم.

كنت أفكر في هذا المشهد عندما وصلتني دراسة مهمة أجريت في جامعة هارفارد وشملت ست قارات، وجد باحثون منتسبون إلى مختبر الأبحاث الموسيقية Music Lab اتساقاً مذهلاً في طرق كلام وغناء الآباء لأطفالهم الرضّع. تشير النتائج، التي نُشرت هذا الأسبوع في Nature Human Behavior، إلى الوظائف المشتركة من طرائق الكلام وأنماط الأغاني لتنمية الترابط بين الوالدين والأطفال الرضّع.

على مدى ثلاث سنوات، نسّق الباحثون جمع 1615 تسجيلاً من 21 ثقافة بدرجات متفاوتة من الترابط مع بقية العالم. وسواء أكان البالغون من بيئة حضرية ناطقة بالإنجليزية في سان دييغو، أو من مجتمع صائدي الحيوانات في شرق إفريقيا، فإنهم جميعاً قاموا بتغيير أنماط حديثهم عند التفاعل مع الرضّع. كانت هذه أول دراسة تقارن بين نبرات الصوت وطرائق النطق والأصوات الموجهة للأطفال من قبل هذا الكمّ من الآباء والبالغين الذين ينتمون الى مجتمعات وثقافات متباينة. وعقّب الدكتور صموئيل مهر، الذي قاد المشروع بجامعة هارفارد: «بسبب هذا التعاون الدولي الكبير، تمكّنا من اختبار هذا التشابه بدقة في العديد من المواقع المختلفة حول العالم».

تضمنت العينات العالمية المسجلة للكلام الموجّه للرضّع طبقة صوت أعلى ونطاقاً متزايداً للنبرة، وأظهرت التناقض في نطق أحرف العلة للمتحدث نفسه عند نطقه الكلمة نفسها، وعندما حلّل الباحثون الغناء، لاحظوا تغيرات ثابتة في الإيقاع والجرس.

ويعتمد هذا البحث على دراسات سابقة تُظهر أن التهويدات وأنماط الكلام المتغيرة يمكن أن يكون لها تأثير مهدّئ على الأطفال، وأنّ «الأشياء المتعلقة بالطريقة التي نغيّر بها نغمة صوتنا تجاه أطفالنا قد يكون لها جذورها في طرق تواصل الحيوانات الأخرى مع بعضها بعضاً».

وتُظهر النتائج أوجه تشابه مذهلة بين الثقافات عندما يتعلق الأمر بطرق تحدّث وغناء الآباء لأطفالهم الرضّع. ولا تحاول الدراسة الادّعاء بأن جميع المجتمعات لديها خطاب متشابه أو أغنية معينة موجهة للأطفال، ولكنها تؤكّد أنه عندما يغني الناس حول العالم لأطفالهم أو يتحدثون إليهم، فإنهم يغيرون نبرة الصوت بالطريقة نفسها، وهذا اكتشاف جديد.

هناك بالطبع بعض الاختلافات والتأثيرات الثقافية في هذه الممارسة، لكنّ الباحثين وجدوا أيضاً قواسم مشتركة تلمّح إلى وجود جذور بيولوجية مشتركة بين الآباء في هذه الدراسة وعوامل مخفيّة تشكل سلوكهم تجاه أطفالهم. فهل يعني هذا أن الآباء في عالمنا أمة واحدة؟

 باحث زائر في جامعة هارفارد 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر