مساحة ود

الجراح الشافية

أمل المنشاوي

كم هي قاسية ومؤلمة، تلك التي يحملها غدرٌ أو خذلان أو خيانة، تصدمنا حين تأتي وسط شعورنا بالأمان والاكتفاء، حين نظن أننا أصحاب الحظ الأوفر في الحياة، وأننا راضون وسعداء، تحفر وجعها في العروق وشماً، وتترك في القلب ندباً، وتأبى الرحيل وتستعصي على النسيان.

تغير مسار حياتنا أحياناً بلا هوادة أو ترفق وتنزع جذورنا لتغرسها في أرض جديدة وبعيدة عن تلك التي نبتنا في تربتها وتعودنا عليها.

لا تعترف بالألم الذي نعانيه، ولا تهتم بالأسئلة الحائرة بحثاً عن جواب: كيف حدث كل ذلك ولماذا؟ وكأنها تريد أن تخبرنا أنها مجرد وسيلة «والأمر كله بيد الأقدار».

تصمت ربما لسنوات حتى تصهر جوهرنا لتخرج أفضل ما فينا لنبدأ حياة أخرى وطريقاً مختلفة لا نفهمها إلا قرب اكتمال المسير فيها.

جراحات وعثرات البدايات، بكل آلامها، ثمن متواضع لتصحيح المسار الذي ربما لو أكملناه لشقينا به مهما كانت رغبتنا فيه، وتصبح عوضاً عظيماً عن كل الأحلام الموءودة والضائعة التي لا تناسبنا وتوفيق ورعاية من رب كريم يعلم الغيب دون سواه.

بعض الجراح دواء وشفاء وميلاد عمر جديد وحياة أخرى أفضل من تلك التي رسمناها بخيالنا القاصر أحياناً، والحالم أحياناً أخرى، ندرك تلك الحقيقة بعد أن نختبر الطريق سنوات فنفهم الحكمة الإلهية وراء ذلك التخصص الذي درسناه رغماً عنا، ثم أدركنا بعدها أنه كان ضرورياً لشأن عظيم ينتظرنا في المستقبل، ونتأكد حين نصادف حب حياتنا ونصفنا الحقيقي الآخر، كم الرحمة واللطف الذي أبعدنا عن شخص لا يناسبنا، رغم ما عانينا من آلام وانكسار في البعد عنه.

بعض الجراح دواء وشفاء، حين نتعرض لوشاية حاسد أو غيور في العمل فنتركه وسط الخوف من الغد ليأتي الصباح حاملاً معه كل خير، حين تفتح السماء أبواباً جديدة لعمل أفضل وزملاء طيبين.

بعض الجراح دواء وشفاء حين يخرج من محيطنا أولئك السيّئون الذين عاشرناهم عمراً ثم اصطدمنا بهم لأسباب تافهة، فنؤمن لاحقاً أن صدمتنا فيهم كانت اختباراً حقيقياً لصدق إخلاصهم ومحبتهم لنا.

الجراح الشافية في جوهرها رحمة كبيرة من رب رحيم بنا يعلم ما يصلح حالنا صدقاً، حتى وإن لم يصادف هوىً في نفوسنا في البداية، فمع مرور الوقت وتعاقب الأيام نوقن بأن الطريق التي مشيناها هي الأفضل، والألم الذي عانيناه كان اختباراً لصبرنا وقوة تحملنا، وكان صقلاً لجوهرنا ومقابلاً زهيداً لمعرفة الطريق الصحيح.

بعض الجراح دواء حين يخرج من محيطنا أولئك السيئون الذين عاشرناهم عمراً ثم اصطدمنا بهم لأسباب تافهة، فنؤمن لاحقاً أن صدمتنا فيهم كانت اختباراً حقيقياً لصدق إخلاصهم ومحبتهم لنا.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر