5 دقائق

قِيَمُنا النبيلة التي نفتخر بها

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

القيمُ النبيلة مفهومٌ راقٍ عظيم، يعرفه من خَبر ديننا الإسلامي العظيم الذي جعل القيم إحدى ركائزه الأساسية، وهي القيم التي بُعث النبي، عليه الصلاة والسلام، لإتمامها فيتحلى بها البشر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، فأفاد أن إخوانه من الأنبياء والمرسلين أرسلوا بهذه القيم، فما من أمَّة تتخلى عن شيءٍ من تلك القيم، حتى يبعث الله لها رسولاً ليعيدها إلى القيم المُثلى التي يحبها الله تعالى ويريدها من عباده، وكان مسك الختام لعُصبة الأنبياء سيدنا محمد بن عبدالله، عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه، فبُعث ليتمم مكارمها، وكأنها كانت قد أوشكت على التمام فكانت بعثته لَبِنة ختام المكارم الخُلُقية، فختم على تلك القيم بخاتم إِلَهي لا يقبل التبديل والتغيير، حتى وصفه الله تعالى بأنه «على خلق عظيم»، وهو وصفٌ لدينه، كما ورد.

وكان جوهر تلك القيم احترام الفطرة الإنسانية التي هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وأنه لا تبديل لخلق الله، الفطرة التي تعني كل كمال خِلقي وخُلقي، وهي معيار تكريم الله للإنسان، فإذا حاول الإنسان أن يتنكر لهذه القيم فإنه يسُوق نفسه لعالمٍ آخر غير إنساني.

ونحن المسلمينَ نعتز بهذه القيم أيَّما اعتزاز؛ لأننا أهل دين وحضارة إنسانية راقية، بل نحن الشاهدون على الأمم بأن رسلهم قد بلَّغوهم مراد الله منهم، كما نطق القرآن الكريم.

وقد عبّر عن ذلك الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة، في قمة جدة للأمن والتنمية بقوله: «إننا نتطلع أن تؤدي هذه القمة إلى وضع إطار شامل لمستقبل مشرق، نبعث فيه الأمل لشباب وشابات المنطقة، يمكِّنهم من تحقيق آمالهم، ويقدمون للعالم رسالتنا وقيمنا النبيلة التي نفتخر بها، ولن نتخلى عنها، ونتمنى من العالم احترامها كما نحترم القيم الأخرى».

عبّر بذلك على لسان الأمة العربية والإسلامية، من واقع مسؤولية المملكة إسلامياً وعربياً.

وهو تعبير صادق، ورسالة واضحة بأن القيم المُثلى التي بعث بها الأنبياء والمرسلون، ولا يختلف فيها عقلاء البشر من أي دين كانوا، هي ثوابت لا تقبل النقاش فضلاً عن الانتقاص، وأن على الناس أجمعين حمايتها وصيانتها حتى تبقى الفطرة الإنسانية مصونةً عن العبث.

غير أننا نتميز عن غيرنا بأننا نرى أن هذه القيم دينٌ نحافظ عليه، ونحميه، ونذود عنه؛ لأن الله تعالى يحاسب عن كل تفريط سلوكي يحدث من المرء، ويثيبه على المحافظة عليه، فكما يثيب على الصدق والكرم والوفاء والحلم والصبر والتواضع وحماية الجار... فكذلك يعاقب على أضداد ذلك سواءً بسواء، وكما يثيب على العفة والمروءة، كذلك يعاقب على الخَنَى والفجور؛ لأن المرء لا يملك نفسه، بل هو مملوكٌ لمن خلقه فسواه وعدَّله، مملوك لمن أحياه ويميته، لمن يطعمه ويسقيه، ويمرضه ويشفيه، لمن سخَّر له الكون يمشي فيه ويستخرج خيراته، فليس له أن يتمرد عليه باسم هوى النفس أو الحرية، فهوى النفس متاحٌ في المباح الواسع، فله أن يفرح ويمرح بما شاء من المباحات، وله الحرية في أكله وشربه ونومه وزواجه ومدخله ومخرجه، وأن يبقى على دينه أو أن يسلم لله رب العالمين، وليس له الحرية في أن يعتدي على نفسه أو غيره، أو ينتهك خصوصيات الآخرين، أو يبتزهم، وليس له الحرية في العدوان والفساد في الأرض، وليس له الحرية أن يتبع إغواء الشيطان ليغير خلقة الله التي خلقه عليها، كل ذلك ممّا لا يقره دين ولا عقل، فضلاً عن القيم النبيلة التي ينشدها كل عاقل.

ولقد كانت الدولة حماها الله حريصةً على حماية هذه القيم من أن يطالها عبث، فكانت سباقة لتشريع قانوني يعاقب من يسيء إلى المجتمع، فينقل صورة سلبية عنه، وذلك في المرسوم بقانون رقم5 لسنة 2012 لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي يتضمن عقوبات مشددة في قضايا الآداب العامة.

وعلى الجميع أن يكون حارساً لهذه القيم، كل في حدود مسؤوليته، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.

حفظ الله مجتمعنا وبلادنا وسائر الناس من وباء الانفلات الخلقي والانحراف الفكري.

 «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر