شرق.. غرب

ملاحظات عن التوأمة في الحياة والأدب

د. كمال عبدالملك

تكثر التوائم في الأساطير والأدب: أبولو / أرتميس في الأساطير اليونانية؛ رومولوس / رموس، التوأمان الرومانيان؛ سيباستيان / فيولا في مسرحية شكسبير الليلة الثانية عشرة؛ دكتور جيكل / مستر هايد؛ تويدل دوم / تويديل دي؛ ولوتي / ليزا في فيلم «The Parent Trap، فخ الوالدين»؛ وفريد / جورج ويزلي في حكايات هاري بوتر.

غالباً ما يتم تصوير التوائم في الأساطير على أنهما نصفان من كائن واحد. ربما يتشاركان في رابطة الأخوة، أو يتعاركان كمنافسين شرسين. بهذا المعنى يمكن اعتبارهما تمثيلات لوجهة نظر ثنائية للعالم، أو لكون الواحد جانباً آخر من جوانب الذات الواحدة، أوdoppelgänger (الظل، أو القرين، كما نجد في المعتقد الشعبي في بعض بلادنا العربية).

وفي الروايات التي تتخيل حالة البشرية بعد نهاية العالم، مثل رواية فرنشيسكا هيج The Fire Sermon (2016) يولد جميع البشر كتوائم (ألفا وأوميجا)، ولكن يتشاركون في رابطة قاتلة: عندما يموت أحد التوأمين يموت الآخر.

في رواية وليام جولدنج Lord of the Flies التي أصبحت فيلماً، لا يمكن التمييز بين التوأمين سام وإريك، إنهما متطابقان لدرجة أن اللقب المشترك الذي أطلقه عليهما جاك هو ادغام لاسميهما معاً «سامنيرك». والدور المزدوج لليندسي لوهان في فيلم «مصيدة الوالدين»، تحكي حياة توأمين متشابهتين انفصلتا وهما طفلتان عند طلاق والديهما، وعندما تلتقي الفتاتان في المخيم الصيفي، تتآمران لتبادل الهويات من أجل الحصول على فرصة لمقابلة الوالدين معاً ولمّ شمل الأسرة. وفي حالة فيولا وسيباستيان، في مسرحية ويليام شكسبير الكوميدية، الليلة الثانية عشرة، ينفصل التوأمان عندما تتحطم السفينة التي كانا عليها، ويعتقد كل منهما أن الآخر قد مات. تتنكر فيولا في هيئة رجل لحماية نفسها في هذه الأرض المجهولة، ولكن يمكن القول أيضاً إن هذا شكل من أشكال إبقاء شقيقها الميت على قيد الحياة، حتى يعود من أجل لم شملهما في النهاية.

أمّا بالنسبة لحالات التوأمة في الحياة العامة، مازلت أذكر التوأمين المتشابهين: علي ومصطفى أمين، وكانا يلبسان قمصاناً بيضاء متشابهة وبنطلونات داكنة اللون ذات حمالات، فلا تعرف من هو علي ومن هو مصطفى، رحمهما الله.

وفي ميعة الصبا، كانت لي تجارب مع التوائم، ومازلت أذكر التوأمين أحمد ومحمود اللذين كانا رفيقي الطفولة واللعب في قريتنا. كان كل شيء مع صديقيّ التوأم مضاعفاً، سواء في المرح أو في الخصام، فعندما أضحك مع الواحد يشاركنا الآخر في الضحك والمرح، وعندما أخاصم أحدهما أجدني على وشك أن أخسر مودة الآخر وصداقة الاثنين معاً.

أمهما «أبلة فتحية» كثيراً ما كانت تتوسّط لترطيب الأجواء وتطييب الخواطر وتصالحنا بأن تدخلنا جميعاً تحت الدش (الوحيد في القرية)، وتحمّمنا وتلبسنا الملابس القطنية ذات الرائحة العطرة وتسرّح شعورنا وتغدينا. وعندها - يا سبحان الله - تختفي الخصومة ويعمّ الوئام. وأنا إذ استرجع ذكريات الطفولة هذه أذكر بالخير صديقيّ التوأمين وأترّحم على أمّ لم تلدني.

وعندما جئت إلى الإمارات عام 2000، قابلت توائم

متشابهة في فصولي، ما سبّب لي بعض الصعوبات في التفريق بينهم، خصوصاً عند تشابه الملابس والزينة والكلام ونبرة الصوت والأسماء الأولى مثل: ديما وريما، ومايا وهايا، وآلاء وولاء. ولا أدري ما السبب في الإصرار على تسمية التوائم المتشابهة بأسماء شبه متطابقة!

ولله في خلقه شؤون وتدابير. 

باحث زائر في جامعة هارفارد 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر