5 دقائق

الأسر المنتجة.. مصنع يتوق إلى سوق

محمد سالم آل علي

هذه حقيقة أدركتها دولة الإمارات منذ أمد بعيد، بل وعملت على تجسيدها واقعاً ملموساً من خلال برامج متعددة أطلقتها وزارة تنمية المجتمع، بهدف تمكين الأسر المنتجة، ومساعدة أفرادها على التعبير عن طاقاتهم ومواهبهم، وترجمتها براعةً في الإنتاج، وإبداعاً في العمل والمنافسة؛ ويضاف إلى ذلك المبادرات العديدة التي أطلقتها هيئة تنمية المجتمع في دبي، والتي تجسّدت عبر نشاطات ومعارض وفعاليات، مكّنت من أدوار الشباب المواطن، ودعمت الأسر المنتجة في رحلتها نحو تحقيق الاستقلال المالي المنشود، حتى أصبحت شريكاً حقيقياً في بناء المجتمع وتعزيز سعادته.

ولأن نجاح تجربة في مكان ما على سطح هذا الكوكب قد يمهد لحلول مستدامة في مكان آخر، فإنني أرى أن الأزمات المالية العالمية، وما يرتبط بها من مؤشرات رئيسة، كانخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، قد تجد معيناً لها من خلال الالتفات قليلاً إلى الأسرة بكل أفرادها وإمكاناتها.

والأرقام هنا لا يمكن تجاهلها، فالبطالة العالمية عام 2021 بلغت نسبتها 6.3% من عموم القادرين على العمل، الذين بلغ عددهم حسب البنك الدولي ما يقارب 3.5 مليارات نسمة، أي أنه وبحسبة بسيطة نتوصل إلى أن عدد العاطلين عن العمل في العام الماضي وحده زاد على 200 مليون شخص!

وأولئك الأشخاص ليسوا مذنبين، وإنما هم حائرون، لا يجدون طريقاً لترجمة أفكارهم وإبداعاتهم، أو أنهم وإن وجدوا هذا الطريق فسينقصهم الكثير من الصقل والتدريب؛ وللمفارقة فإن الجواب يأتيهم من علمي الاقتصاد والاجتماع معاً، وهو أن الأسرة صغرت أم كبرت هي مصنع من أفضل المصانع؛ وما تحتاج إليه فقط هو وجود برامج التدريب المتخصصة، جنباً إلى جنب مع بيئة العمل المناسبة والداعمة لعمليات الإنتاج، إضافة إلى السوق القادرة على استيعاب ما تأتي به من مخرجات، فالاقتصاد العائلي في واقع الأمر هو إنتاج للسلع والخدمات، يكمّل السوق ولا ينافسها، والعلاقة بينهما هي تجارة بين فريقين، الأسرة المنتجة التي تعمل وتنتج عناصر الاستهلاك، والسوق التي تتولى عمليات البيع والتصريف، ولأن الأسرة المنتجة هي مبادرة فردية تفتقر لعلامة تجارية تميزها، فإن هذه السوق المنتظرة هي التحدي الأكبر الذي يواجهها.

والحلول هنا متنوعة ومختلفة، ويأتي في مقدمتها الدعم الحكومي من خلال إعطاء أولوية التوريد للمنتجات الأسرية حسب المقتضيات، إضافة إلى تخصيص أماكن في المدن والأرياف لبيعها وتسويقها، سواء كان ذلك على شكل مراكز كبرى أو أكشاك تتوزع هنا وهناك، أو من خلال الاستفادة من الأماكن العامة التي يتجمع فيها الناس، كالحدائق والمتنزّهات وأيام المهرجانات، ثم يأتي ثانياً دور القطاع الخاص، وذلك عبر توفير أمكنة في منافذ البيع، تكون معدة خصيصاً لعرض تلك المنتجات، أو من خلال تأسيس شركات تُعنى بتسويقها وتوزيعها عند الطلب، أما ثالثها فهو نشاط البيع عبر العالم الرقمي، وهو نشاط سيؤدي تنظيمه وترخيصه من الجهات الرسمية إلى توسيع شرائح الممارسين، كالنساء والرجال من مختلف الفئات والأعمار، إضافة إلى كبار السن وأصحاب الهمم، كما أنه وفي الوقت نفسه سيروّج لتلك الأيدي الماهرة التي صنعت أفضل المشغولات.

إن العائلة القادرة على إنتاج السلع والخدمات ليست مجرد آباء وأولاد، وإنما هي مشروع صغير وريادة للأعمال، وقريبٌ ذاك اليوم الذي سنرى فيه اقتصاد الأسرة بنداً من بنود الحسابات القومية، وعنصراً لقياس مستوى التنمية الاجتماعية ومعدلات النمو في سائر الدول والبلدان.

نجاح تجربة في مكان ما على سطح هذا الكوكب قد يمهّد لحلول مستدامة في مكان آخر.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر