5 دقائق

البناء والتشييد في عصر الاستدامة والترشيد

محمد سالم آل علي

صحيح أن صناعة البناء والتشييد تلعب دوراً رئيساً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدى مختلف دول العالم، إلا أنها تركت وعبر تاريخها الطويل، آثاراً كارثية على مختلف النواحي البيئية؛ وخصوصاً أن النهج التقليدي الذي دأبت عليه ارتكز على تحقيق العوائد وتلبية احتياجات المستهلكين على حساب استنزاف هائل للموارد الطبيعية والمياه ومصادر الطاقة المختلفة؛ ويكفينا أن نعلم أن قطاع البناء يستهلك سنوياً ما يقارب 40% من المواد الخام المستخرجة عالمياً، مثل الحجارة الخام والحصى والرمال، و25% من الخشب البكر، بالإضافة إلى استئثاره بثلث الطلب على المياه.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل إن هذا القطاع، وحسب تقرير الحالة العالمية للمباني والتشييد، الصادر عام 2021 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، كان مسؤولاً عن 37% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة، أي ما يعادل 11.7 غيغاطن، ناهيك عن كمية النفايات الصلبة التي ولّدها والتي وصلت إلى ثلث النفايات العالمية.

وما زاد من آثار هذا القطاع حقيقة كونه الأقل رقمنة في العالم، ما يفسر صعوبة معالجة مشكلاته وتحدياته، إلا أن الحل موجود ومتوافر ويأتي من صلب المعاناة ذاتها، أي أنه وفي الوقت الذي يتعرض فيه قطاع البناء والتشييد للمزيد من الضغوط في سبيل جعل عملياته أكثر استدامة، يأتيه الذكاء الاصطناعي بطوق النجاة الذي يقدم له كل الحلول؛ حيث إنه، ومن خلال البيانات الضخمة التي يعالجها، يوفر إمكانات لا تعد ولا تحصى في سبيل تعزيز الاستدامة وزيادة الإنتاجية؛ فمن ناحية التكاليف، يستطيع الذكاء الاصطناعي تخفيض الميزانية والتنبؤ بتجاوزاتها المحتملة.

ومن ناحية الاستهلاك، فإنه يُرشّد الطاقة والمياه ويقلل من النفايات، أما من ناحية التصميم فهو يستخدم خوارزمياته الخاصة وطابعاته ثلاثية الأبعاد وصولاً لأفضل الخيارات المعمارية وأكثرها صداقة مع البيئة؛ أضف إلى ذلك، ومن خلال تحليل عوامل عدة كحجم المشروع ونوع العقد وعوامل التأخير بما في ذلك كفاءة الإدارة والتنفيذ، فإن الذكاء الاصطناعي بوسعه أن يتصور كل السيناريوهات، وبالتالي هو قادر على التصحيح والتصويب ومجابهة الطوارئ مهما كانت مفاجئة وغير متوقعة.

ولأن أنظمة الذكاء الاصطناعي لابد أن تستعين بالكاميرات والطائرات بدون طيار وغيرها من أنظمة النمذجة والمحاكاة، فإنها قادرة على مشاهدة ما يحدث في الموقع على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، وبالتالي فإنها ستتمكن حتماً من تحسين العمليات والتنبؤ بجميع المخاطر، إضافة إلى قدرتها على مراقبة أداء العمال وتسليط الضوء على الذين لا يراعون إجراءات السلامة منهم؛ كما أن أجهزة الاستشعار الذكية المثبتة على المعدات تستطيع مراقبة فاعليتها ونطاق تحركاتها، وأيضاً حالتها الميكانيكية والكهربائية ومدى حاجتها للصيانة؛ وهذا بالأخصّ يقودنا إلى فرص وإمكانات أكثر وأكثر، وهي آلات البناء ذاتية القيادة القادرة على أداء بعض المهام بكفاءة منقطعة النظير، كعمليات صب الخرسانة واللحام والتركيب والطلاء وغيرها كثير.

ولعلّ منتهى القول هنا هو إن التقنية تُسعف العالم دوماً عند الملمّات، فما بالك إذا كنت تعيش في دولة الإمارات وتحت قيادتها الرشيدة التي امتلكت من الرؤى الاستباقية ما فاق الأبصار والأسماع؛ فهي التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي أولاً وأدمجته في شتى المجالات؛ وهي التي التفتت إلى الاستدامة البيئية وطبقتها على كل النشاطات، ومنها قطاع البناء والتشييد، وما من مثال ريادي أكثر من «مدينة إكسبو دبي» التي أهدتها دبي للعالم أجمع نموذجاً يُحتذى لكل من أراد الحديث عن مدن المستقبل.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  


قطاع البناء يستهلك سنوياً ما يقارب 40% من المواد الخام المستخرجة عالمياً.

تويتر