٥ دقائق

زرعوا فأكلنا.. فهل سيأكلون؟

محمد سالم آل علي

بعيداً عن الصراعات والنزاعات التي يشهدها العالم، أو ما قد يأتي منها من مزيد، وأيضاً بعيداً عن الجوائح والأوبئة التي ما إن خبا أحدها إلا وأتحفتنا بوافد جديد، أي في عالم مثالي يسير في رحلة الزمان من الماضي إلى المستقبل، يستوقفني سؤال مُلِحٌّ حول الذي حققته الزراعة حتى الآن، وفيما إذا كانت ستفلح مستقبلاً في إسكات الجوع ونداءات البطون.

ليس هناك شك بأن زراعة اليوم ليست كالأمس، فهي أكثر كفاءة بكثير مما كانت عليه منذ قرون وعقود، فالغلّات أكثر والجودة أفضل، إلا أن مسيرتها تلك أصبحت في وضع مقلق، يحتاج إلى الكثير من العمل والتحسينات، لاسيما أن التحديات لا تُمهل، والقادمات أشد وطأة وأصعب، فمن ناحية نجد أن سكان العالم في تزايد محموم، وهم الذين سيقاربون، حسب التوقعات، عشرة مليارات بحلول 2050، ومن ناحية أخرى تأتيك التغيرات المناخية لتقول كلمتها الفصل، فلا المياه والأمطار كما تعودنا عليها، ولا الأراضي الزراعية وفيرة كما كانت، حتى إن لغة الأرقام لا تنفك تؤكد وتؤيد، بل وتشدد، على أن معادلة السكان والغذاء في ذاك العام لن تستقيم إلا حين يتم التكفل بكامل الطلب المتوقع على الغذاء حينها، وهو طلب ستزيد نسبته من 50% إلى 60% عن يومنا هذا، حسب ما تقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

والمزيد قادم، فالزيادة السكانية المتوقعة سيرافقها توسع حضري كبير، لن يزيد بالاستهلاك فحسب، وإنما سيغير من أنماطه وعاداته، فإذا كان الفرد في العالم يستهلك في تسعينات القرن الماضي ما معدله 36 كغ من الأغذية المصنعة واللحوم سنوياً، فإن هذا الرقم سيقفز في السنوات العشر المقبلة إلى 45 كغ.

ومع ذلك كله، فإن الآمال مازالت معقودة على التقنيات الحديثة، لأنها وكعادتها دوماً تأتينا بكل الحلول والإجابات، وما كانت تقدمه للزراعة في الأمس القريب من محاريث وأساليب ري وحصاد، صارت اليوم توفره على شكل ذكاء اصطناعي فائق، يستوعب شتى التغيرات، ويصف أنجع العلاجات.

نعم هناك الكثير قادم لمصلحة الزراعة والمزارعين، فالذكاء الاصطناعي، وعبر أجهزة التصوير الدقيقة والطائرات بدون طيار، يجمع كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، ثم يعالجها ويقدمها وقائع وحلولاً آنية للمزارعين، فهو يرصد جودة التربة من حيث التركيب والقوام، ويراقب سلامة المحاصيل من حيث الأمراض والحشرات والآفات، وهو يروي بذكاء يراعي حاجة كل نوع وفصيلة، وينشر الأسمدة ويرش المبيدات، كما أنه يحلل الطقس وتقلباته، ويجري المقارنات، حتى إنه يستطيع مراقبة مراحل النمو من البذور والفسائل وحتى الثمار والنضج التام، ويكفيه إرسال إشعار بسيط إلى المزارع مثاله «طاب الثمر وحان قطافه!».

ولا تتوقف الإمكانات هنا، بل تمتد لتشمل الثروة الحيوانية، باعتبارها مكوناً رئيساً للاقتصاد الزراعي، حيث تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تتبع القطعان، ومراقبة صحتها وسلامة غذائها، ثم إخطار المزارعين فور استشعار العلل والأنماط غير المعتادة، التي تشير غالباً إلى الأمراض وسوء التغذية.

وهكذا نجد أن مستقبل الزراعة يعتمد بشكل مصيري على تبنّي الحلول المعرفية، ومن أجل توظيف الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة لابد أن تصبح هذه الحلول سهلة الوصول، وأكثر قابلية للتطبيق، والأهم أن تكون معقولة وميسورة الكلفة للجميع، سواء في الدول الغنية أو الفقيرة، وحينها فقط سينجح الذكاء الاصطناعي في خلق ثورة زراعية هائلة، ستطعم البشر مستقبلاً، وإن زادوا مليارات ومليارات.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر