مساحة ود

الزاهدون في العتاب

أمل المنشاوي

يُفسحون للود مساحات بحجم الكون، ويتقبلون الأعذار، ويغفرون الزّلات، ويفتحون صفحات بيضاء مراتٍ ومرات.

يحاولون البقاء والاستمرار مهما تكررت الأخطاء وزادت التراكمات، أملاً في الإصلاح، ولخاطر سنوات طوال من الحب أو صلة الدم أو الجيرة أو الصداقة.

يبقون على العهد وإن أضحى قيداً ترسف فيه عزة نفوسهم وكبرياؤهم تجنباً للوم أو ندم، ويحاربون كل صبح وطأة الضيق والملل من علاقة لا تجلب سوى الحزن، زواج على حافة الانهيار، جيران لا يأمن جارهم أذيتهم، صديق تبدلت أحواله فأصبح خنجراً في خاصرتنا بقدر ما سكبنا جواره الدموع والهموم وكشفنا ضعفنا بلا حذر، أو قريب لا يعترف بصلة رحم أو رباط دم ويحاربنا كعدو قديم لا يبقي سراً إلا أفشاه ولا نقصاً فينا إلا وأشاعه.

يعاتبون برفق علّ نوراً يُزيل ظلمة النفوس، ويُهدئ الخاطر ويُصلح ذات البين.

يحبون بصدق ولا تغيّرهم الأهواء ولا يتبدل إخلاصهم مع تقلبات الأيام، يعيشون لمن حولهم، ويمنحون بلا منّة ولا تفضّل، ويدركون جيداً أن الحياة قصيرة، فلا خصام ولا مشاحنة ولا ضغينة.

يتركون أبواب العودة مفتوحة ربما يشتاق قاطع الرحم أو يعود لرشده عاقٌّ أو يدرك قيمتهم الجار والصديق، وللأسف كثيراً ما يُفهم سلام صدورهم على أنه ضعف وقلة حيلة، بينما هي نفوسهم الكبيرة المترفعة عن الصغائر، والتي تفهم جيداً «ألا شيء يستحق»، وأن «الجميع إلى زوال».

هؤلاء لا يريدون فقط من يشاطرهم الحياة بحلوها ومرّها، بل يتطلعون لمن يفهمهم ويعرف قدرهم، ويراعي خاطرهم ويصون عشرتهم، بقدر ما يحملون من نفوس خيّرة، وسلام داخلي نادر.

هؤلاء حين يصيبهم اليأس من إصلاح علاقة ما، يزهدون فيها وفي من حولهم، يتوقفون عن كل شيء، عن الكلام والاهتمام والعطاء.

الزاهدون، يتساوى عندهم البقاء والرحيل، الوصل والجفاء، الصلح والخصام.

الزاهدون يعتادون على البعد ولا يأبهون للتخلي ويغلقون كل أبواب الرجوع.

هؤلاء إن توقفوا عن العتاب، هنا لابد للطرف الآخر أياً كان: زوجاً، جاراً، قريباً، صديقاً.. أن يفيق ويراجع نفسه إذا كان حقاً لا يريد خسارتهم للأبد؛ فأول طريق انهيار أي علاقة أن يزهد أحد طرفيها في العتاب، فالزاهدون في العتاب غالباً على وشك الرحيل.

@amalalmenshawi 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 


هؤلاء لا يريدون فقط من يشاطرهم الحياة بحلوها ومرّها، بل يتطلعون لمن يفهمهم ويعرف قدرهم، ويراعي خاطرهم ويصون عشرتهم، بقدر ما يحملون من نفوس خيّرة، وسلام داخلي نادر.

 

تويتر