5 دقائق

مبروك.. أنت مدير

محمد سالم آل علي

لعل أعذب رنّات الهاتف وأغلاها على قلبك هي تلك التي أنبأتك يوماً بأنك مدير، وأن غداً هو يومك الأول في رحلة من المسؤولية لا يُرضى لها سوى النجاح والازدهار؛ فأنت اليوم ربّان السفينة، وعليك الإبحار بها إلى بر الأمان.

ومثلك مثل أي شخص تمت ترقيته إلى منصب إداري عالٍ، ستجد نفسك أمام واقع يفرض عليك تحديات جديدة؛ أي أن بحرك اليوم ليس هيّن الإبحار، ومنصبك الجديد وإن كان مكافأة على المشوار، إلا أنه يجلب معه أيضاً نصيبه الكبير من التعب وصعوبة القرار.

والقول الصحيح هو أن أكبر وأشد التحولات التي قد تواجه أي شخص في سيرته المهنية، هي دوره القيادي الأول في إحدى المؤسسات أو المنشآت؛ وهذا ما شدد عليه العديد من الأبحاث العالمية والدراسات؛ حتى إن إحداها أجرت استبياناً خَلُص في نهايته إلى أن ما نسبته 20% من «المديرين لأول مرة» لم يُوفّقوا عند اتخاذ قراراتهم الأولى، ما أثر في مؤسساتهم إلى حد كبير.

والتحديات هنا كثيرة وشديدة التعقيد، وقد لا تكفي سطور هذه المقالة للخوض فيها، لكن يمكننا سرد واستعراض بعضها؛ فمنها السمات الشخصية المطلوبة عند الانتقال من مجرد زميل في العمل إلى رئيس يتطلب الاحترام والتقدير، ومنها القدرة على الإلهام والتأثير في الموظفين وتشجيعهم وتحفيزهم؛ وأيضاً توافر مهارات القيادة والتواصل البنّاء، وصولاً إلى بناء الفريق المناسب وتوجيهه والتعامل مع كل ما قد يصيبه من ضعف وترهل ونزاعات؛ والأهم هو امتلاك الخبرات الكافية والرؤية الاستباقية وتحقيق الفهم العميق لكل من هيكل المؤسسة، وبنيتها الخاصة بالأعمال أو الخدمات، إضافة إلى استراتيجياتها وسياساتها التنظيمية.

فالمدير الجديد لابد من أن يكون قائداً وموظفاً منتجاً في آن معاً، فلا تنظير ولا استخفاف بآراء الآخرين، وإنما عمل وبصيرة وقدرة على معالجة جميع الصعوبات، أي أن عليه السير بالمؤسسة في مسيرة النجاح مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال.

وللإيجاز نختم بما لدينا من حلول ومقترحات، ولنبدأ أولاً بإدارة فريق العمل، وهي مهمة صعبة وشاقة؛ فأنت اليوم تدير شخصيات مختلفة ومتعددة الخبرات ولا تعلم بمن تثق، كما أن بعض أعضاء الفريق قد يكون لديهم خبرة أكثر منك، وعليك أن تكون مديراً لهم جميعاً؛ وهنا عليك التحدث معهم واحداً تلو الآخر، والتعرف إلى أنماط تفكيرهم ونقاط ضعفهم وقوتهم؛ والأنسب أن تبدأ بإدارة الموارد البشرية، فهي عصب المؤسسة وركنها الذي تستند إليه، فإن كانت سليمة وفاعلة فهي حاضرة لك وشريكة لنجاحك.

وبما أنك مدير جديد فأنت حتماً في إحدى فئتين؛ فإما أن تكون من قلب المؤسسة تعلم جميع خباياها وأسرارها، وحينئذ أنت على الدرب؛ أو تكون من خارجها، وهنا عليك مضاعفة الجهود للإلمام بكل ما سبق، ولابد لك من مستشارين يدعمونك في رحلة الإدارة، وشركاء يعززون من خبرتك وفهمك لموازين القوى؛ ولأنها مهمات تتطلب الكثير من الوقت، فأنت بحاجة إلى حليف حقيقي يعينك على بناء هذه الشبكة، وما من مرشح هنا أيضاً أفضل من فريق الموارد البشرية.

ولا عجب أن يكون التدريب المستمر على الإدارة بمثابة الطاقة الكامنة المختزنة لدى أي مدير جديد، ولا سيما إذا روعي في فترة مبكرة من حياته المهنية؛ فالجوهر لا يزهو إلا على المحك، ومن كان على أتم الاستعداد والجاهزية، هو فقط من يستطيع الإجابة عن المكالمة سالفة الذكر، بل وسيتوقع حتماً مكالمات أخرى بعدها تنقله من عالٍ إلى أعلى.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  


الجوهر لا يزهو إلا على المحك.

تويتر