5 دقائق

روّاد أعمال أم روّاد أحلام

محمد سالم آل علي

في جلسة ودّية واكبتها نفحات من الموسيقى الهادئة في أحد المقاهي، التفت رجل إلى صاحبه الذي بجواره، قائلاً «جاءتني الآن فكرة لمشروع مربح سيدرُّ علينا من المال الكثير»، ثم استغرق في شرح فكرته بالتفصيل حتى اغرورقت عينا الرجلين بالدمع لما تراءى لهما من ثراء عظيم مُقبل سيغير من حياتهما وحياة كل من حولهما لعقود عدة.

وهكذا وخلال الجلسة نفسها دبّت الحماسة واتُخِذَ القرار، وفي اليوم التالي استُؤجرت العين واستُصدرت الأوراق والرخص المطلوبة، أما في اليوم الثالث فكان الافتتاح الكبير الذي حضره العشرات وضجّت به الآفاق والأصداء. وبالطبع فإن تتمة القصة يكاد يتوقعها الجميع، ولا سيما ما حدث في اليوم الرابع، والذي كان إغلاق المشروع وتبادل الملامة والظنون، فالأموال ذهبت والمشروع خسر، أما الصديقان فهما اليوم خصمان لا تجمعهما سوى المحاكم.

لا شك أن رائد الأعمال هو رجل مغامر وحالم ومبتكر، وهذا أمر أتفق فيه مع الجميع، إلا أن النقطة الجوهرية التي يجهلها بعض الناس هي مسألة دراسة الجدوى الاقتصادية، باعتبارها الوسيلة المُثلى للتحقق من النتائج المحتملة للمشروع؛ أي أن نجاح رائد الأعمال يتحقق فقط حين يكتشف كيفية تحويل فكرته إلى واقع مربح.

وبالتأكيد فإن كبريات الشركات سائرة على هذا النهج منذ عهود، وهي التي أدركت قيمة هذه الأداة في تحديد سلامة الأعمال وقياس ربحيتها حتى قبل أن ترى النور؛ وينطبق الأمر ذاته على الكثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أنشأها روّادُ الأعمال الناجحون؛ لكن يبقى أولئك الذين لايزالون يترددون في خوض هذا المعترك، وهم كُثر في واقع الأمر، فمنهم من يقول لك إن دراسات الجدوى هي مسألة مكلفة تثقل كاهل المشروع، وآخر يخبرك بأن نموذج العمل المطروح هو موجود فعلاً ومضمون الربحية، أما الأغرب هو من يؤكد لك أن دراسات الجدوى ما هي إلا مضيعة للوقت ووسيلة ابتدعها الاستشاريون لكسب المال، وأنه قادر بنفسه، وعبر حسبة بسيطة، على تلمّس السوق وتبيّن آفاقه.

دعونا نبتعد عن ذاك وذاك لنؤكد حقيقة ساطعة تفيد بأن تحليل بنية العمل نفسه جنباً إلى جنب مع الدراسة المالية وتحليل السوق هي الركائز الأساسية عند اتخاذ القرار الاستثماري؛ فتقييم السوق من شأنه فهم المنافسين ودراسة طبيعة أعمالهم، وبالتالي تحديد القدرة التنافسية ومدى جدوى المنتج أو الخدمة المقترحة؛ كما سيساعد حتماً في تحديد الموقع المناسب، وتقدير الطلب، ووضع آليات التسعير؛ أما الدراسة المالية فهي التي ستتطرق إلى ميزان الإيرادات والنفقات وحساب التكاليف الأولية والتشغيلية وربطها مع العائدات ومصادر التمويل؛ وأخيراً تأتي بنية العمل وهياكله التنظيمية بما في ذلك تحديد متطلبات التوظيف وبناء الفريق، ومن ثم تصميم الإدارة وحوكمتها، وصولاً إلى وضع الجداول الزمنية المرتبطة بتطور المشروع.

ومن المهم أيضاً التطرق إلى جميع العوامل الداخلية والخارجية التي قد تؤثر في المشروع على المديين القصير والطويل، ومراعاة الآثار البيئية إن وجدت، والتعمق في سرد السيناريوهات المختلفة وما يُوطّئ لها من افتراضات ومقدمات؛ فلطالما أظهرت الدراسات أثناء سيرها عقبات كبيرة وغير متوقعة فرضت إلغاء المشروع أو تغيير بوصلته.

إن ما أصبوا إليه خلاصة هو أن دراسات الجدوى وإن كانت باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً بالنسبة للاستثمارات الضخمة، إلا أن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لروّاد الأعمال، فالأرقام معقولة ومقبولة وتتناسب مع ميزانياتهم وحجم مشروعاتهم؛ ولا ضير من تحليل احترافي محايد يصون أموالهم ويحقق أحلامهم.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر