5 دقائق

التضليل (3)

عبدالله القمزي

كلنا سمعنا وقرأنا عن الادعاء الذي يتهم بيل غيتس بالتخطيط لتقليل عدد سكان العالم. وكان هذا تصريحاً لغيتس أُخرج من سياقه بالكامل، فقد كان التصريح الأصلي على منصة TED عام 2010 ونقلته صحيفة أيرلندية تديرها مجموعة مؤمنين بالمؤامرة آنذاك ولم يلتفت أحد إلى الخبر.

لكن عندما ضربت جائحة كوفيد العالم، انتشرت صورة يبدو أنها من «إنستغرام» لامرأة تحمل نسخة من الصحيفة «سوفيرين إندبندنت»، والعنوان يقول:2011 هذا الخبر غير موجود الآن لكن شكراً لهذه السيدة التي احتفظت بنسخة من الصحيفة كل هذه السنوات.

والعنوان في الصحيفة يقول: تقليل عدد سكان العالم عن طريق التطعيم الإجباري. فكيف بدأت القصة؟

بالطبع كل الناس سمعت وقرأت وتداولت الخبر الكاذب الذي نشرته الصحيفة والذي انتقل من العقد الماضي إلى يومنا هذا على ظهر مشاركة «إنستغرام» أو ربما «فيس بوك»، لكن بالتأكيد لا أحد يعرف ماذا قال غيتس بالضبط.

قال غيتس: «يجب على العالم أن يخفف من انبعاثات الكربون، وإحدى الطرق المقترحة لفعل ذلك تقليل النمو السكاني عن طريق تحسين الرعاية الصحية. ماذا يعني ذلك؟».

الكلام لغيتس: «عدد سكان العالم 6.8 مليارات نسمة، ويتجه إلى تسعة مليارات، لكن لو طورنا التطعيمات ونظام الرعاية الصحية المتعلق بالولادة ورعاية النساء والأطفال فلربما أبطأنا النمو السكاني 10 - 15%».

يعني - والكلام لغيتس وهو يتحدث عن الدول الفقيرة في إفريقيا - أن «الناس هناك لا تثق في الرعاية الصحية وبالتالي فالرجل لا يعلم إن كان أبناؤه سيعيشون، لذلك فهو ينجب 10 مثلاً لأنه لا يعلم من سيموت من الأمراض ومن سيعيش ولا يكتفي بواحد أو اثنين».

«لكن لو أعطينا هذا الرجل نظام رعاية صحية متطوراً فهو لن يبالي بإنجاب 10 وسيكتفي بثلاثة أو أربعة لأنه يعلم أنهم سيعيشون في ظل توافر التطعيمات وعلاجات الأمراض المتفشية في القارة الإفريقية، وبالتالي نكون أبطأنا النمو السكاني وقللنا من الانبعاثات الكربونية». وفي فيديو نشر عام 2018 يؤكد غيتس أن في كل دولة في العالم لوحظ أنه كلما تحسنت خدمات الرعاية الصحية انخفض أو تباطأ معها النمو السكاني.

بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع رؤية غيتس، فإن من الضروري إثبات أن الرجل لم يقل إنه سيخفض النمو السكاني بقتل البشر بالتطعيمات الإجبارية كما صدقت غالبية الناس.

موقف

المسألة خطيرة جداً عندما ينتشر خبر كاذب منذ 12 عاماً ويعود إلى الواجهة في شكل نظرية مؤامرة، والخطورة هنا أن الأمر لا يحتاج إلى أي جهد، فالكاذب ينشر مشاركة واحدة تتلقفها الناس وتعيد نشرها دون تدقيق.

مروجو الشائعات ونظريات المؤامرة فاسقون كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾.

ينشر هؤلاء الفسقة كلاماً ملفقاً مشوهاً مع صور مزيفة بالـ«فوتوشوب» يدمر المجتمعات وينشر الكراهية والبغضاء بين الناس بالتضليل، ويتسببون بحالة قلق وذعر عالمي تقوّض جهود حل الأزمات.

• المسألة خطيرة جداً عندما ينتشر خبر كاذب منذ 12 عاماً ويعود إلى الواجهة في شكل نظرية مؤامرة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر