5 دقائق

المآثِر والمفاخر

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتحدث الناسُ عن مآثرهم التراثية، وإنجازاتهم الحضارية، وحُقَّ لهم ذلك؛ فهو من مقتضيات الحياة الإنسانية التي ينبغي أن تكون حياةً مفعمة بالعمل والإنجاز، وقد كان السابقون يقومون بذلك بكل جدارة، بحسب ما لديهم من إمكانات، ومع قلة إمكاناتهم فقد كانت لهم إنجازات عظيمة ورائعة، تتفاخر بها الأجيال المتعاقبة، وتُعد من المآثر الحضارية، ولسان حال كل جيل سابق يقول لمن بعده:

هذه آثارُنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار

وهو ما يشير إلى مثله الذكر الحكيم، كقوله عز اسمه: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا}.

وأيًّا ما كانت المآثر كبيرةً ومتنوعة من حيث الأطلال؛ فإن الإنجاز القِيمي والتربوي والعلمي والإداري يعد أكبرَ إنجاز يمكن أن يُفاخر به المتفاخرون؛ لأن هذا هو الذي يبني الحضارات ويرقِّي الأمم.

وهو ما تفاخر به دولة الإمارات العربية المتحدة، فمع كثرة مآثرها الحضارية التي تُثبتها الاكتشافات الأثرية يوماً بعد يوم، فتبهر الناظرين وتسر السامعين، ومع كل ذلك فإنها تفاخر بإرثها الاتحادي الذي جمع إماراتها السبع في عقد واحد متماسك كحلقة مفرغة لا يُدرى أين طرفاها، وتفاخر بتلاحم القيادة بالشعب والشعب بالقيادة كتلاحم الشجرة الخضراء بأغصانها، وامتزاجها بمائها، التلاحم الذي هو سر القوة والنهضة.

ويفاخر الشعب بقيادته الرشيدة التي جعلت الإنسان محور اهتمامها، وجعلت الاستثمار في الإنسان أعظم استثمار، وتفاخر بإنجازاتها الحضارية التي جعلتها في مصاف الدول المتقدمة صناعياً وتقنياً وبيئياً وفضائياً، وتفاخر باقتصادها الصاعد الذي غدا من أكبر اقتصاديات العالم، وتفاخر بسمعتها الطيبة التي جعلت المواطن يجوب الأرض شرقاً وغرباً لا يقف عند الحدود استجداءً لتأشيرة سفر أو مرور، وتفاخر بموروثها الثقافي الذي يدل على العزة والكرامة، فحق لكل إماراتي أن يقول كما قال النابغة الجعدي رضي الله عنه:

بلغنا السماءَ مجدنا وجُدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مَظهرا

وكل ذلك قليل بجانب الهامات الكبرى التي تحكم الاتحاد، وهم أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، الذي دل اجتماعهم على مبايعته في وقت قياسي، وبمحبة عارمة؛ دل على أنهم أئمةُ عدل وإصلاح، وقادة خير ورشاد، وأنهم على قلب رجل واحد، و أنهم جسدٌ واحد، مثل هذه المفخرة الكبرى التي يتعين أن يسطرها التاريخ بأحرف من نور، يقرؤها الناس جيلاً بعد جيل، فيرون عظمة هؤلاء الرجال، ويُكبِرونهم في نفوسهم، ويجعلونهم قدوةً لهم في حياتهم الإدارية والأسرية، فضلاً عمن يتولى السياسة والريادة، ليتأسى بهم في مثل هذا الموقف التلاحمي العظيم، الذي هو سبب للبناء والتطوير والاستقرار والأمن، وسعادة الحاكم والمحكوم.

إن مبايعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لرئاسة الدولة وقيادة الشعب هي مبايعة شعبية كاملة، بمحبة فائقة وإخلاص تام، مبايعةٌ على السمع والطاعة في المنشط والمكره؛ لما لهذا الرجل من مكانة عظيمة في السياسة والقيادة والعمارة والصناعة والإخاء الإنساني، والتواضع الجم، والعطاء السمح، والحزم والعزم، والنجدة والشجاعة، والحضارة الراقية التي تعيشها الدولة، فضلاً عن مكانته العالمية المؤثرة في السلم والحرب، والرخاء والشدة، بمثل هذا يكون التفاخر بين الشعوب والأمم، فهو الذي قال لشعبه ومَن حلَّ في دياره من مقيم أو زائر، وذلك يوم البأس الشديد من جائحة كورونا التي تفاقمت وعمَّت وطمَّت وأرهبت؛ فقال بلسان فصحيح، وتصريح مريح: «لا تشيلون هم»، ليحمل الهمَّ وحده، في الوقت الحرج، وهو الوقت الذي يعرف به معادن الرجال، فسخَّر الإمكانات المادية والطبية والأمنية لشعبه وغيرهم؛ حتى لا يشعر الشعب بنقص شيء، بل لم يقتصر على شعبه ومقيمي دياره، حتى أنشأ أساطيل الإغاثة لتنطلق إلى مختلف البلدان، تنقل الدواء والغذاء؛ ليخفِّف عنهم آلام الجائحة، انطلاقاً من موقفه الإسلامي العظيم، ونُبله الإنساني الكبير، وشهامته العربية الأصيلة، في الوقت الذي عجز فيه الكثير عن تحمل المسؤولية، أو توفير مستلزمات الدواء والغذاء لشعوبهم.

مثلُ هذا الرجل العظيم هو الذي يتربع الزعامة باقتدار، ويقف موقف الكبار، وسيجعل المرحلة القادمة، إن شاء الله تعالى، أكثر إشراقاً، وأعظم إنجازات، وأوسع تطلعات.

هذا هو الفخر الكبير، والعز الوفير.

أولئكَ آبائي فجئني بمثلِهم ... إذا جمَعَتْنا يا جريرُ المجامِعُ

أعز الله القيادة، وحقق لها الريادة، ورزقها الحسنى وزيادة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر